شهدت الولايات المتحدة استعداداً لولاية ثانية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، في ظل تزايد الانقسام الداخلي حول عدة قضايا جوهرية تشمل الضرائب، والهجرة، وحق الإجهاض، والتجارة، بالإضافة إلى التوترات المتصاعدة في منطقة الشرق الأوسط وآثارها الدولية، إلى جانب الحرب الروسية الأوكرانية.
وذكرت وكالة “بلومبرغ” أن نهج ترامب لا يزال “فوضوياً وغير قابل للتنبؤ”، وهو ما يتوقع أن يخلف تأثيرات بعيدة المدى، ليس فقط على الساحة الأميركية، بل على الصعيد الدولي. وبإعادة انتخابه، أصبح ترمب ثاني رئيس أميركي يتولى المنصب لفترتين غير متتاليتين، بعد الرئيس الأسبق ستيفن جروفر كليفلاند.
وعُرف ترمب باستخدام شعارات مبهمة لوصف سياسته الخارجية، مفضلاً عبارات مثل “أميركا أولاً” بدلاً من خطط مفصلة. وشمل برنامجه الانتخابي تهديدات بفرض تعريفات جمركية عقابية على الواردات، والمطالبة بمدفوعات من الحلفاء مقابل الحماية العسكرية الأميركية، وتبني سياسة أكثر ودية تجاه زعماء مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
الصين.. قيود تجارية قاسية
خلال حملته الانتخابية، قال ترمب إنه يعتقد أن الصين تُمثّل “أكبر تهديد” للازدهار الاقتصادي الأميركي.
وتُعد خطط ترمب لفرض تعريفات جمركية عالمية بنسبة 20% على جميع الواردات الأجنبية بمثابة هجوم على تقاليد السياسة الخارجية الأميركية، وقد تكون الرسوم الجمركية على الصين أعلى كثيراً مع تهديداته بنسب تتراوح بين 60 و200%.
وبالإضافة إلى كونها ذات تأثير تضخُّمي وتضر بالاقتصاد الأميركي، فإن مثل هذه التحركات من المرجح أن تؤدي إلى أعمال انتقامية وحروب تجارية واضطرابات في الاقتصاد والتجارة العالمية، وربما تعرقل هذه التدابير أيضاً الجهود العالمية للانتقال إلى اقتصاد خالٍ من الانبعاثات الكربونية.
وفي سبتمبر الماضي، قال ترمب خلال فعالية في ولاية ميشيجان، إن “الرسوم الجمركية هي أعظم شيء اخترعه (الإنسان) على الإطلاق”، ووعد بأنه إذا أصبح رئيساً للولايات المتحدة مجدداً، فسيفرض تعريفات جمركية شاملة تصل إلى 20% على الواردات، وحتى 200% على السيارات الواردة من المكسيك، في محاولة لتشجيع التصنيع الأميركي.
تعهّد المرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأميركية دونالد ترامب، السبت، بفرض رسوم جمركية بنسبة 100%، على الدول التي تتجنب استخدام الدولار الأميركي في تعاملاتها.
مع ذلك، فإن مثل هذه الأمور لا تهم كثيراً ترامب، الذي يخطط لتكرار انسحاب واشنطن من اتفاق باريس للمناخ، وإلغاء تدابير حماية البيئة التي نفّذها الرئيس جو بايدن، والسماح بالاستغلال غير المقيّد لمخزونات النفط والغاز الأميركية من خلال التكسير الهيدروليكي غير المنظم.
ومن المتوقع أن تضيف خطط ترمب أطناناً من انبعاثات الكربون الإضافية إلى الغلاف الجوي في حال تنفيذها، ومن المرجح أيضاً أن تقوّض بشكل كبير الجهود العالمية المتعلقة بتغير المناخ.
أوروبا.. مخاوف أمنية واقتصادية
في تقرير سابق، أشارت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية، إلى أن أكبر الشواغل الأمنية التي تساور مسؤولي الاتحاد الأوروبي على المدى القصير تتعلّق بكيفية الاستمرار في دعم أوكرانيا إذا أوقف ترمب تدفق الأسلحة التي لعبت “دوراً حيوياً” في مساعدة كييف على التصدي للغزو الروسي.
وذكرت الصحيفة البريطانية، أن الاتحاد الأوروبي قدّم دعماً مالياً كبيراً لأوكرانيا، لكن مخزونات الأسلحة والقدرات الأميركية أكبر بكثير من مخزونات وقدرات الدول الأوروبية.
ونقلت الصحيفة عن مصادر أوروبية مطلعة قولها، إنه لا توجد إمكانية لأن توفر جيوش الاتحاد الأوروبي ما تقدمه الولايات المتحدة.
كما يساور مسؤولون في التكتل الأوروبي قلق عميق من أن ترفع إدارة ترمب العقوبات المفروضة على روسيا، وهذا من شأنه أن يثير تساؤلات بشأن حجم الضغوط الاقتصادية التي يمكن للاتحاد الأوروبي أن يمارسها على موسكو بدون دعم الولايات المتحدة، حتى لو أبقت اليابان وبريطانيا وحلفاء آخرون العقوبات سارية.
وأعرب مسؤولون عن مخاوفهم من أن تؤدي الرسوم الجمركية التي هدد بها ترمب إلى خفض صادرات الاتحاد الأوروبي إلى الولايات المتحدة بنحو 150 مليار يورو سنوياً.
تُسارع عواصم الاتحاد الأوروبي لإجراء تقييمات تتعلق بأكبر “نقاط ضعف” التكتل، في حال إعادة انتخاب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.
وصاغت المفوضية الأوروبية التي تدير السياسة التجارية، استراتيجية لتقديم صفقة سريعة لترمب بشأن زيادة الواردات الأميركية إلى الاتحاد الأوروبي، واللجوء فقط إلى “الانتقام الموجّه” إذا اختار فرض رسوم جمركية عقابية.
وتوقعت مجموعة “جولدمان ساكس” المصرفية أن ينخفض اليورو بنحو 10% مقابل الدولار، إذا فرض ترمب رسوماً جمركية واسعة النطاق وخفض الضرائب المحلية، في حين قالت دراسة أجراها المعهد الاقتصادي الألماني في كولونيا، إن الحرب التجارية ربما تخفض الناتج المحلي الإجمالي لأكبر اقتصادات الاتحاد الأوروبي بنسبة 1.5%.
وحذّر محللون من فقدان اليورو قوته في حال نفّذ ترمب وعوده بفرض رسوم جمركية بنسبة 10-20%. وقال زاك مايرز، المدير المساعد لمركز الإصلاح الأوروبي لمجلة fortune، إن “الرسوم الجمركية ستؤثر بشكل خطير على النمو الاقتصادي للاتحاد الأوروبي”.
ورغم ذلك، هنأت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، الأربعاء، المرشح الجمهوري دونالد ترمب، بعد إعلان فوزه في الانتخابات الرئاسية الأميركية، وأضافت أن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة “أكثر من مجرد حليفين”.
وقالت في منشور على منصة “إكس”: “أهنئ دونالد ترمب بحرارة. الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة أكثر من مجرد حليفين. نحن مرتبطون بشراكة حقيقية بين شعبينا توحّد 800 مليون مواطن. لذا دعونا نعمل معاً على أجندة عبر أطلسية قوية تستمر في تحقيق الأهداف المرجوة”.
مخاوف التخلي عن حلفاء الناتو
وعبّر مسؤولون سابقون، مثل مستشار الأمن القومي الأميركي السابق، جون بولتون، عن اعتقادهم بأن ترمب سيسعى إلى الانسحاب من حلف شمال الأطلسي “الناتو” في فترة ولايته الثانية، أو “إضعاف فعاليته” من خلال الدعم الفاتر.
وفي آسيا، فإن تعليقات ترمب بأن “تايوان يجب أن تدفع لنا مقابل الدفاع. كما تعلمون، نحن لا نختلف عن شركة تأمين”، تشير إلى إضعاف التزام الولايات المتحدة تجاه الجزيرة.
وذكرت “فاينانشيال تايمز”، أن شكوك ترمب تجاه الناتو، أدّت إلى تفاقم المخاوف القائمة منذ فترة طويلة بشأن الاعتماد الأوروبي على الضمانات الأمنية الأميركية، لا سيما مع حديث ترمب أيضاً عن الانسحاب من التحالف، ما جعل العواصم الغربية مهيأة لتغييرات كبرى.
وتجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة هي أكبر مموّل لحلف الناتو، وترمب عبّر بوضوح عن استخفافه بالتحالف، إذ يعتقد أن الولايات المتحدة تحملت لفترة طويلة العديد من الدول الأعضاء التي لم تدفع حصتها العادلة. (الشرق)