في لبنان.. هكذا سيطر القلق على لقمة رمضان

19 مارس 2025
في لبنان.. هكذا سيطر القلق على لقمة رمضان


في شهر رمضان هذا العام، يعيش اللبنانيون واقعاً صعباً يثقل كاهلهم، إذ تزامن حلول هذا الشهر مع استمرار الأزمة الاقتصادية والحرب الأخيرة التي تركت آثارها العميقة على الحياة اليومية.

 

وبينما كان رمضان يشهد أجواء من الفرح والتجمعات العائلية، أصبحت هذه الأجواء اليوم محاطة بالقلق والتحديات المعيشية، وفق ما يقولُ تقرير جديد لموقع “الحرة”. 

ارتفاع الأسعار وتدهور القدرة الشرائية جعلت الاحتفال بالمناسبة أكثر صعوبة على الكثير من الأسر، التي أصبحت تكافح لتلبية احتياجاتها الأساسية في ظل هذا الوضع الاستثنائي.

في أحد الأسواق الشعبية في بيروت، تتجول سميرة، وهي مواطنة لبنانية، بين المحال التجارية باحثة عن أسعار مقبولة للمواد الغذائية الأساسية.

وفي حديثٍ عبر “الحرة”، تقول السيدة: “في السابق، كنت أستطيع شراء كل ما أحتاجه منذ بداية الشهر، ولكن الآن أصبحت أحسب كل قرش وأنتظر حتى اللحظة الأخيرة على أمل أن تنخفض الأسعار. لم أعد أتمكن من شراء كل شيء كان جزءًا من تحضيرات رمضان. كان من المعتاد أن أشتري الحلوى والفواكه الجافة والأطعمة التي تضيف رونقًا للمائدة الرمضانية، لكن كل شيء أصبح باهظًا. في السابق، كان راتبي يكفيني وأكثر، أما الآن، فهو بالكاد يغطي الاحتياجات الأساسية، ناهيك عن توفير ما أحتاجه من أدوية لأطفالي”.

وتضيف سميرة: ” في الماضي، كان لديّ مجال أكبر لاختيار السلع المختلفة، وكان بإمكاني شراء الأفضل بما يتناسب مع احتياجاتنا. أما اليوم، فقد أصبحت المائدة تفتقر أحيانًا إلى بعض العناصر الأساسية مثل الدجاج واللحوم، بسبب الارتفاع الكبير في الأسعار وضيق القدرة الشرائية، مما جعل خياراتنا محدودة بشكل ملحوظ .الآن، لا يمكنني حتى التفكير في التنويع. أحاول أن أكون صبورة وأخفف من حدة القلق على أسرتي”.

سميرة تتحدث عن الأثر النفسي لهذه الأوضاع، قائلة: “في رمضان، كنت أستمتع بشعور العائلة حول المائدة، ولكن الآن، أصبح الحديث عن الطعام عبئًا ثقيلًا. هذا الوضع ينعكس سلبًا على المزاج العام في المنزل. أحيانًا، أحاول أن أخلق أجواء من الفرح للأطفال، لكن من الصعب إخفاء القلق والضغط الذي يشعر به الجميع”.

وفي حديثه عن الوضع الاقتصادي في لبنان، يشير الخبير الاقتصادي نديم السبع إلى أن الوضع العام في البلاد “تعبان” ويعاني من العديد من المشكلات، أبرزها أزمة المصارف التي تضاف إلى الأعباء التي يتحملها المواطنون.

 

 

ويضيف السبع أن الحرب الأخيرة كانت بمثابة “الشعرة التي قسمت ظهر البعير”، إذ تسببت في تدهور الأوضاع الاقتصادية بشكل أكبر، خاصة بالنسبة للعائلات التي تعرضت بيوتها للتدمير الجزئي أو الكامل خلال الأشهر الماضية. كما أن الأشغال توقفت بشكل ملحوظ بعد الحرب، ليشهد الوضع الاقتصادي تراجعًا كبيرًا في الفترة التي تلتها.

وفي ما يخص شهر رمضان، يلفت السبع إلى الزيادة الكبيرة في أسعار المواد الغذائية، سواء من أكل وشرب وبالنسبة للخضراوات أيضا، مما يزيد من معاناة اللبنانيين في هذا الشهر.

 

 

ويؤكد أن الدولة اللبنانية لا تمتلك جهات رقابية فعالة لمراقبة هذه الارتفاعات في الأسعار، ولا توجد شبكة ضمان اجتماعي كافية لدعم الأشخاص الأكثر فقرًا، سواء في رمضان أو غيره من الأشهر.

ويضيف السبع: “شهر رمضان هذا العام يعد أصعب بكثير مقارنة بالعام الماضي. في العام الماضي، لم يكن هناك دمار واسع من الحرب، ولم تكن الخسائر المالية التي فاقت 20 مليار دولار قد حدثت بعد. العديد من الناس فقدوا وظائفهم ومحلاتهم وبيوتهم بسبب الحرب، مما أدى إلى فقدان القدرة الشرائية بشكل حاد”.

ورغم الجهود المبذولة من الجمعيات والمبادرات الفردية لتقديم المساعدة، يرى السبع أن هذه المبادرات لا يمكن أن تحل مكان دور الدولة.، ويضيف: “نحتاج إلى عمل مؤسساتي من الدولة اللبنانية، لا يمكن الاعتماد فقط على الجمعيات والمبادرات الفردية. الوضع يتطلب تدخلًا حقيقيًا من قبل المؤسسات الحكومية لتوفير الدعم الفعّال والشامل للمواطنين”.

وفي تعليقه على التحديات الراهنة وتأثيرها على سوق المواد الغذائية في لبنان، يؤكد هاني البحصلي، رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية، أن “الناس تشعر أن أسعار المواد الغذائية ارتفعت، ولكن الحقيقة أن الأسعار ظلت ثابتة نسبيًا”.

ويضيف البحصلي أن الضغط الحقيقي على اللبنانيين في شهر رمضان لا يكمن في الزيادة الفعلية في الأسعار، بل في الضغوط الأخرى التي ترافق هذا الشهر، مثل الموائد الرمضانية، وتجمعات العائلة والأصدقاء، والدعوات التي تثقل كاهل الأسر. “القدرة الشرائية للمواطن اللبناني ليست في أفضل حالاتها، وهذا هو الضغط الأكبر أكثر من زيادة الأسعار نفسها”.

ويشير إلى أن “الناس لم تعد قادرة على تحمل هذه الضغوط الاقتصادية”، موضحاً “أن نقابة مستوردي المواد الغذائية قامت بخطة استباقية قبل أربعة أشهر من شهر رمضان، حيث تم طلب المواد الغذائية بكميات كبيرة لتلبية احتياجات السوق”.