
عند كل حدث مصيري، ومحطة تاريخية، نعود إلى جذور وخلفيات الحدث، لأن ما يحدث اليوم هو حلقة من حلقات الماضي المتواصلة والمستمرة وإن اتخذت أحيانا تطورا في المسار أوالمشهد أو في النتائج.
وما يجري في قطاع غزة منذ 8 من أكتوبر 2023 وحتى الآن لا ينفصل بأي شكل من الأشكال عن تاريخ القضية الفلسطينية والمحطات التي تعرضت لها، والمجازر وحروب الابادة التي ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني منذ العام 1948، بهدف إحتلال الارض وتصفية قضية شعب له جذور في التاريخ.
وإذا كانت الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة قد ارتكبت مئات المجازر وعمليات القتل والاغتيال واحتلال الاراضي والتشريد والطرد، فإن ما تنفذه اليوم الحكومة الاسرائيلية يأتي في سياق السياسة الاسرائيلية القائمة على إبادة شعب واحتلال أرض وارتكاب المجازر بهدف تحقيق أهداف تل أبيب العدوانية.
أمام كل حدث تاريخي وعدوان إسرائيلي ومجازر يرتكبها جيش الاحتلال الاسرائيلي كانت ترتفع الأصوات من هنا وهناك وتعمل على وقف المجزرة ادانتها، بعد العام 1948 ولسنوات قبل هذا الزمن، كان العالم مختلفا عما هو عليه اليوم، فكانت البنية الفلسطينية الداخلية مختلفة، وكانت الروح الوطنية أصلب والحركة الوطنية أقوى يمكن لها مواجهة العدوان وفرض الشروط، وكانت الحالة العربية أفضل مما هي عليه اليوم، وكانت فلسطين هي القضية المركزية للنظم والأحزاب العربية، وكان العرب أفضل حالا ولم تصل الحالة السياسية والفكرية والاقتصادية والأمنية إلى ما وصلت إليه اليوم من اهتراء وضعف وانحلال.
كذلك المجتمع الدولي لم يكن على الحالة التي هو عليها اليوم، فكان التوازن النسبي بين المعسكر الاشتراكي(الاتحاد السوفياتي) والمعسكر الرأسمالي(الولايات المتحدة الأمريكية) ما ينعكس حالة من التوازن النسبي في المنطقة العربية عامة والقضية الفلسطينية خاصة.
صحيح أن تلك المرحلة من التعافي النسبي (الفلسطيني، العربي والدولي) لم تمنع عدوان ولم تمنع مجزرة، ولم تعيد الحقوق لأصحابها، لكن لم تكن على هذا الشكل، ولم تصل إلى مرحلة تستمر فيها المجزرة وحرب الابادة والتشريد والمجاعة لفترة طويلة وبهذا العنف الارهابي الصهيوني، ولم يكن العالم يصمت كما هو صامت اليوم ولم تكن حالة الاهتراء الفلسطيني على الشكل التي هي عليها اليوم.
لذلك وللأسف، يغيب العالم ويصمت أمام هول المجزرة وهول المجاعة التي يتعرض لها أطفال فلسطين في قطاع غزة، المرشحة للتصعيد والاستمرار أمام عجز فلسطيني مريب وصمت وتآمر ودولي مذهل.
صمت العالم على الجرائم الاسرائيلية المدوية في قطاع غزة اليوم، لأن البنية الفلسطينية أصبحت ضعيفة ومفككة ولم تعد لها القدرة على التأثير في مسار الأحداث، ولم يعد الفلسطيني هو الرقم الصعب، وأصبح العالم رهينة مصالح النظام والطبقات المالية الحاكمة والمرتبطة بالمشاريع والمصالح الأمريكية، وأصبح الجميع في العالم كله رهينة الانسياق خلف المخططات والمشاريع الأمريكية في العالم كله، وهذا ما أنتج الصمت ووقوف العالم متفرجا أمام جوع الأطفال فوق ركام منازلهم في قطاع غزة.