
في خضمّ التصعيد الحاد بين إسرائيل وإيران، برز لبنان كطرف مراقب، قلق، هش، يقف على الحافة. فمع كل طلعة جوية، وكل هجوم سيبراني أو مسيّرة مفخخة، يتأرجح البلد الصغير، الذي يعاني من أزمات اقتصادية وسياسية عميقة، بين الانخراط القسري في صراع لا قدرة له على تحمّله، وبين النجاة المؤقتة من زلزال إقليمي قد يدمّره بالكامل.
حزب الله… التريّث الإستراتيجي
منذ اندلاع التوتر الكبير بين إسرائيل وإيران في مايو 2025، بقيت العيون متّجهة نحو “حزب الله”، الذراع الأقوى لإيران في المنطقة. ورغم الخطابات النارية والدعم المعلن لطهران، إلا أن الحزب اعتمد حتى الآن ما يشبه التريّث الاستراتيجي.
بحسب مصادر مطّلعة، فإن الحزب تلقّى رسائل واضحة من قنوات دبلوماسية عربية وغربية، مفادها أن انخراطه المباشر في المواجهة سيقود إلى حرب مدمّرة على لبنان. كما أن التجارب السابقة، لا سيما حرب 2006 وما تبعها من تدمير واسع، شكّلت رادعاً نفسياً وسياسياً لا يُستهان به.
الجنوب اللبناني… على فوهة بركان
رغم غياب الانخراط المباشر، لم يسلم الجنوب اللبناني من التوتر. فقد سجّلت تقارير أممية ومحلية سقوط قذائف وصواريخ محدودة في مناطق حدودية، وحرائق كبيرة اندلعت في قرى جنوبية جراء القصف المتبادل بين حزب الله والجيش الإسرائيلي، والذي بقي ضمن ما يُعرف بـ”قواعد الاشتباك” غير المكتوبة، دون أن يتوسّع إلى مواجهة شاملة.
أهالي الجنوب، المعتادون على فترات التصعيد، يعيشون حالة ترقّب دائمة. المدارس أغلقت أبوابها في بعض القرى، والمستشفيات وضعت خطط طوارئ، فيما استمرت حركة النزوح المحدود نحو المناطق الداخلية، وسط مخاوف من أن “تخرج الأمور عن السيطرة” في أي لحظة.
رهان هشّ على التهدئة
تدور في الكواليس الدبلوماسية جهود حثيثة لضبط الإيقاع ومنع توسّع رقعة النار، اذ تلعب عواصم كبرى مثل واشنطن وباريس، بالإضافة إلى وسطاء إقليميين كالقاهرة والدوحة، دوراً محورياً في إبقاء خطوط التواصل مفتوحة بين مختلف الأطراف، بما في ذلك قنوات غير معلنة مع “حزب الله”.
وفي ظلّ هذا المشهد المعقّد، يبدو أن لبنان قد نجا – حتى الآن – من الانزلاق إلى قلب الصراع الإيراني – الإسرائيلي. لكن هذا “النجاة” لا يزال مشروط، مؤقت، وهشّ، وقابل للانهيار أمام أي خطأ حسابي أو مغامرة غير محسوبة.
نجا لبنان من نيران المواجهة الإقليمية، لكنه لم ينجُ من آثارها. فالتوتر الأمني، والجمود السياسي، والانهيار الاقتصادي، كلها عوامل تجعل من البلد ساحة محتملة لانفجار مؤجّل. والخشية الكبرى أن يكون الصمت الحالي مجرد هدوء يسبق العاصفة.