عون ضد تدخل إيران.. فهل يستجيب لدعوات قطع العلاقات؟

beirut News18 أغسطس 2025
عون ضد تدخل إيران.. فهل يستجيب لدعوات قطع العلاقات؟


يقف لبنان على مفترق طرق خطير، حيث تتشابك الضغوط الإسرائيلية والأميركية مع التجاذبات الداخلية والانقسامات بشأن مستقبل سلاح المقاومة. فإسرائيل تمضي في فرض وقائع عسكرية جديدة على الحدود الجنوبية ملوّحة بمزيد من التصعيد، فيما تمارس واشنطن ضغوطا سياسية ودبلوماسية لتوسيع صلاحيات قوات اليونيفيل بما يحدّ من نفوذ حزب الله ويضمن أمن إسرائيل. وفي خضم هذا المشهد، يجد لبنان الرسمي نفسه أمام معادلة دقيقة بين حماية سيادته وتفادي العزلة الدولية والانزلاق إلى حرب استنزاف طويلة الأمد.

ويرى مراقبون أن اقرار الورقة الأميركية هو للحصول على دعم مالي وسياسي يخفف من الانهيار. وهو ما أشار إليه رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون حين أكد أن القبول بالورقة الأميركية بصيغتها المعدلة قد يفتح الباب أمام تسوية ويمنح لبنان متنفسا اقتصاديا وسياسيا، في حين أن رفضها قد يعني العزلة والاستمرار في الحرب مع إسرائيل.

وفي خضم التوترات التي رافقت قرار الحكومة بنزع السلاح وبدء الجيش اعداد خطة لسحب السلاح، لم تتأخر إيران في إعلان موقفها الصريح، إذ أكد مستشار المرشد الأعلى علي أكبر ولايتي أن محاولات نزع سلاح حزب الله ستبوء بالفشل كما فشلت سابقًا، فيما شدد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي على دعم بلاده المطلق للحزب في رفضه تسليم سلاحه. وبالتوازي رفع حزب الله سقف المواجهة مع قرار الحكومة اللبنانية القاضي بحصرية السلاح. فقد أكد نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم أن المقاومة لن تسلّم سلاحها، متهمًا الحكومة بأنها تخدم “المشروع الإسرائيلي” واعتبر أن القرار يشكّل انتهاكًا للميثاق الوطني وخطرًا على الأمن القومي، لأنه يجرّد لبنان من سلاح الدفاع في مواجهة العدوان الإسرائيلي ويتركه عرضة لاعتداءات متكررة.

سرعان ما ارتفعت أصوات معارضة طالبت بقطع العلاقات مع إيران وإغلاق سفارتها في بيروت، معتبرة أن تدخلها المباشر في الشأن اللبناني يفاقم الانقسامات الداخلية ويورط البلاد في صراعات إقليمية لا قدرة لها على تحمل تبعاتها. وتشير أوساط سياسية معارضة لحزب الله إلى أن هذه المطالب تعكس قلقاً متنامياً لدى شريحة من اللبنانيين من تحول لبنان إلى ساحة مواجهة بالوكالة، في وقت يحتاج فيه إلى تحييد نفسه عن النزاعات الخارجية. وفي هذا الإطار، دعت هذه الأطراف إلى طرد السفير الإيراني من لبنان، وإغلاق “القرض الحسن”، فضلاً عن مطالبتها وزارة التربية بإصدار قرار يقضي بإغلاق مدارس المهدي” التي تدرس المناهج الإيرانية.
اللافت في خضم ما يجري، تصريح رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون أمس، حين سئل عن التصريحات الإيرانية التي تؤكد أن لبنان سيبقى ساحة نفوذ لها، وما إذا كانت هذه التصريحات قد تدفع لبنان نحو خطوات عملية مثل التصعيد أو قطع العلاقات أو تقديم شكاوى في المحافل الدولية، حيث شدد على أن كل الخيارات مفتوحة، مؤكدا أن أي خطوة يجب أن تكون تحت سقف حماية لبنان وحماية الأمن والسلم الأهلي. وقال: “كل شيء مقبول ومفتوح، وأي خيار يمكن أن نتخذه نحن جاهزون لأخذه من أجل حماية لبنان. وإن شاء الله لا نصل إلى هذه الخيارات. نتمنى على إيران وغيرها عدم التدخل في شؤون لبنان، كما أننا لا نتدخل في شؤون أي دولة، حتى سوريا المجاورة”.

هذا الموقف يبدو مختلفًا عن الصورة التي قدمها رئيس الجمهورية في لقائه مع أمين عام مجلس الأمن القومي الإيراني علي لاريجاني،فالمصادر المقربة من “الثنائي الشيعي” اعتبرت الموقف تصعيديا واستنسابياً، لأنه يبتعد عن نهج التعاون الودي مع الدول الصديقة والشقيقة، ويأتي في تناقض مع مواقفه السابقة التي تميزت بالود والصراحة بعيدًا عن التشنج، وهذا التبدل يبدو بحسب المصادر، أنه يعكس ضغوطا أو إملاءات خارجية لتبني لهجة أكثر حدة تجاه إيران وحزب الله.

من الناحية الدستورية، لا ينص الدستور اللبناني مباشرة على مثل الإجراءات المتصلة بقطع العلاققات الدبوماسية، التي عادةً ما تخضع للاتفاقيات الثنائية. ويشير الخبير الدستوري والقانوني عادل يمين لـ”لبنان24″ إلى أن صلاحيات السياسة الخارجية موزعة كالتالي: رئيس الجمهورية: يتولى التفاوض على المعاهدات الدولية وإبرامها بالاتفاق مع رئيس الحكومة، ولا تصبح المعاهدات مبرمة إلا بعد موافقة مجلس الوزراء. رئيس الحكومة: يمثل الحكومة ويتكلم باسمها، ويُعتبر مسؤولًا عن تنفيذ السياسة العامة التي يحددها مجلس الوزراء. مجلس الوزراء: يتولى وضع السياسة العامة للدولة في كل المجالات، بما فيها السياسة الخارجية.
وبناءً عليه، فإن قرار قطع العلاقات مع دولة أجنبية، بحسب يمين، هو قرار سيادي لمجلس الوزراء، يتخذ بعد اقتراح من رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة وبالتنسيق مع وزارة الخارجية.
ومن الناحية القانونية، يمكن، بحسب يمين، اتخاذ إجراءات مثل إعلان السفير شخصًا غير مرغوب فيه (Persona non grata) وفق اتفاقية فيينا 1961.استدعاء السفير اللبناني من الدولة الأخرى. إغلاق السفارة أو القنصلية.لكن كل هذه الإجراءات تتطلب قرارا سياسيا من مجلس الوزراء. لكن القرار، وبحسب مصادر سياسية، غير مطروح على طاولة مجلس الوزراء، رغم أن هناك دعوات ومطالبات من بعض المكونات السياسية لاتخاذه.
أمام هذه الوقائع، يقف لبنان اليوم أمام إما القبول بالتسوية الأميركية بما قد يفتح الباب أمام دعم اقتصادي لكنه يهدد بانقسام داخلي خطير بين الدولة وحزب الله، أو رفض التسوية والدخول في مواجهة عسكرية مع إسرائيل وهو خيار محفوف بالمخاطر في ظل غياب أي ضمانة دولية.