“اقتصاد” حزب الله وأمل يدبّر إعاشة أهل الجنوب

11 يناير 2020
“اقتصاد” حزب الله وأمل يدبّر إعاشة أهل الجنوب
كسر التحرك الذي نفذه منتفضو ساحة العلم في صور أمام مؤسسة كهرباء لبنان يوم الجمعة، وبمشاركة بعض النقابيين، رتابة الحراك الذي اقتصر في الأسابيع الماضية على لقاءات حوارية شبه يومية في خيمة الاعتصام، توازياً مع بعض الوقفات الاحتجاجية أمام المصارف.

الإيقاع الاعتراضي
الحراك الذي انحصر بالمظلة اليسارية مؤخراً في كل خيم الجنوب، ابتداء من صور وصولاً إلى كفرمان والنبطية وحاصبيا وسوق الخان، ينشط في بيئة متماسكة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، ركيزتها التحالف الوثيق بين حزب الله وحركة أمل وحلفائهما التقليديين من بعثيين وقوميين و”إرسلانيين”، ما يقوّض من فرص اتساع جمهور المنتفضين راهناً، الذين كانوا خاضوا الانتخابات النيابية الأخيرة بمواجهة تحالف “الثنائي الشيعي” وحلفائه على أساس قانون الصوت التفضيلي، الذي بيّن حجم الفائزين والخاسرين على حقيقته.

الحراك، ورغم أهمية المطالب ووصول الأوضاع المعيشية إلى الانهيار الفعلي، لم يدفع الناس – أقله في العلن- إلى الثورة على هذا الواقع والنزول إلى الشارع، الذي اعتاد منذ بدء الانتفاضة في تشرين الأول على وجوه أفراد بعينهم في ساحات انتفاضة الجنوب.

يعيد الكثير من أبناء المنطقة، ومن بينهم أفراد ومجموعات من المنتفضين، انحصار الإيقاع الاعتراضي إلى متانة تحالف حزب الله وحركة أمل، المبني في قسم منه على الشعار الكبير “الوجودي” أي “مواجهة مخاطر العدوان الاسرائيلي وحماية الساحة الشيعية” من جهة، ووجود قواسم مشتركة بين مجموعات من المنتفضين وأمل وحزب الله (المقاومة)، عائلية وسياسية من جهة ثانية.

منظومة حزب الله
لكن الأهم من ذلك، وفق هؤلاء، وجود التكافل الاجتماعي إلى حد مقبول في البيئة الجنوبية الشيعية، مقارنة ببؤس حال مناطق أخرى، خصوصاً بوجود قوة حزب الله الاقتصادية وفعاليتها، والتي توفر فرصاً “تشغيلية” لعشرات الآلاف من العناصر الحزبية في المجالات العسكرية والتربوية والصحية والإعلامية والإدارية..إلخ، وتصل مساهمتها ما بين 15 إلى 20 بالمئة من مداخيل أبناء الكثير من بلدات الجنوب وقراهن كما بيّنت دراسة أولية لأحد الطلاب الجامعيين.

يستفيد من حزب الله بشكل مباشر، في بعض البلدات التي تشملها الدراسة، التي يربو عدد سكانها على خمسة آلاف نسمة نحو 150 عائلة من أصل نحو 750 عائلة. ويتقاضى أفراد هذه العائلات (“العناصر” أو المقاتلون المتفرّغون) بدلات شهرية تبدأ بـ600 دولار، ما زالت تُدفع بالعملة الخضراء، من خارج منظومة البنوك. ما يعني أن ارتفاع سعر صرف الدولار أمام الليرة لم يشكل خطراً عليهم، وحافظوا على قيمة مداخيلهم بمواجهة زيادة غلاء المعيشة.

إلى جانب هذا العدد، هناك “حقوق عوائل الشهداء والجرحى”، التي تُدفع بواسطة “مؤسسة الشهيد” لأسر شهداء، منهم من مضى على استشهاده 30 عاماً. إضافة إلى ذلك، يؤمن الحزب لعناصره نظاماً صحياً وتربوياً، يستفيد منه المتفرغون والمتعاقدون على السواء، من منح مدرسية تصل إلى 500 دولار عن كل تلميذ، وطبابة واستشفاء شبه مجانيين، وأيضاً تأمين أثاث منازل لغالبية المقبلين على الزواج. ويقدم حتى قروضاً من أجل رحلات السياحة الدينية لعائلات الحزبيين، إلى إيران والعراق..

هذا عدا عن وجود نظام “التقاعد”، الذي شمل إلى الآن المئات ويتقاضون راتباً تقاعدياً من الحزب بالدولار الأميركي.

ويساهم الحزب كذلك، عبر “جمعية الإمداد” بدعم عائلات الأيتام بمبلغ 35 دولاراً عن كل فرد في العائلة، وحصة تموينية كل شهرين. وهي ليست محصورة بعائلات تنتمي إلى الحزب، بل وتشمل تلك المساعدات الأرامل ومعدومي الحال، وتوفر الإيواء المنزلي في بعض الحالات.

وكان حزب الله سبق هذه الأزمة باعتماده سياسة تقشفية كبيرة، طالت إخلاء آلاف الشقق والمنازل، التي كان يدفع بدلات إيجار شهرية لأصحابها. وكان يستخدمها لأغراض أمنية ولوجستية وتنظيمية. كما قرر التخفيف من مصاريف النقل والوجبات وخفض بدل الوجبات من 5 إلى 3 دولارات للعناصر أثناء الخدمة، وتعمّد منح إجازات طويلة للمقاتلين للتخفيف من المصاريف والأعباء المادية. ويؤكد مسؤولون في الحزب أن ترشيد الإنفاق هذا لم يطل البنية العسكرية والوحدات الرئيسية في الحزب ومنها وحدة “الرضوان”.

تكافل الجمعيات
تشكل جمعية المبرات الخيرية التابعة للمرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله دعامة كبيرة في التكافل الاجتماعي في البيئة الشيعية، من دون أن تستثني عائلات من طوائف ومذاهب أخرى في المنطقة.

وإضافة إلى المؤسسات التربوية ودور المسنين التابعة لها، وتضم آلاف الطلاب (داخلي وخارجي) من الأيتام ومعدومي الحال، تتكفل أيضاً بمنح تعليمية جامعية لهم، بعد انهاء دراساتهم الثانوية في مدارسها. كما تؤدي الجمعية دوراً تكافلياً من خلال الدعم المادي المباشر للأيتام والأرامل، تصل إلى مئة ألف ليرة عن كل فرد في العائلة، وحصص تموينية دورية، وغيرها من المساعدات الاستشفائية.

أما حركة أمل، التي يستفيد العدد الأكبر من محازبيها ومناصريها من وظائف الدولة والبلديات والمؤسسات الخاصة على امتداد الجنوب، فهي تدير عدداً من الجمعيات المنضوية تحت لوائها (واحة الأمل)، وتتكفل بتقديم بدلات مالية لعوائل الشهداء والجرحى من صفوف الحركة، وكذلك أثاث منازل في كثير من الحالات للمقبلين على الزواج، من أبناء الشهداء والجرحى.

هذا وقد بدأت الحركة، في كل المناطق الشيعية، بتشكيل خلايا أزمة لتقديم العون للمحتاجين، سواء كان مادياً أو عينياً، حسب مصادر في أمل.

وتتولى “مؤسسات الإمام الصدر”، التي ترأسها السيدة رباب الصدر شرف الدين، كفالة مئات التلامذة اليتامى، الذين يتابعون تعليمهم الجامعي على نفقتها. وعلى مثالها جمعيات ومؤسسات أخرى. وهذا كله يفسّر إلى حد بعيد الفارق بين الحماية الاجتماعية والاقتصادية التي يوفرها حزب الله وحركة أمل في الجنوب، مقارنة بحال البؤس المدقع إلى حد الانتحار يأساً في الشمال وطرابلس ومناطق أخرى. بل ويفسّر الفارق في إيقاع الانتفاضة الشعبية هنا وهنالك.