أغلبية العمال الذين التقتهم “نداء الوطن” بدأوا يتقاضون مع مطلع هذا الشهر نصف راتب. وبالرغم من تقديرهم لثقل الأزمة على مؤسساتهم، فإن قدرتهم على الصمود أصبحت ضعيفة. سلمى التي تعمل في شركة للإضاءة منذ 10 سنوات تقول إنه “للشهر الثاني على التوالي نتقاضى 40 في المئة من الراتب. وإذا اعتبرنا ان الاسعار ارتفعت بنسبة 30 في المئة، لا يبقى من دخلنا الشهري سوى 10 في المئة، أي 100 دولار، لا تكفي لمدة يومين”. طوني إلى جانبها يسأل بقهر: “ماذا نستطيع أن نفعل، شركتنا التي تعمل في مجال الإعلانات والتسويق تراجع عملها بأكثر من 80 في المئة… كتّر خيرهم بعدهم ما صرفونا”.
“ما بدنا نصفّي عم نصفّي”، شعار ترفعه عاملة في إحدى دور النشر، وتقول “المشكلة ليست في السيولة إنما في حجز المصرف لحسابات المؤسسة. لغاية الآن لا يزال بمقدور الشركة المحافظة علينا، إنما لأي مدى لا نعرف”.
التراجع بالأرقام
معاناة الشركات، ونسب الصرف والإقفال في القطاع الخاص بدأت تظهر بشكل واضح:
– معدل صرف العمال بلغ لغاية نصف تشرين الثاني 160 ألف عامل، أضيفوا على معدل بطالة يبلغ 25 في المئة.
– أكثر من 300 ألف موظف يتقاضون نصف راتب.
– نسبة 25 في المئة من مؤسسات القطاع الخاص التي تعمل في مجال التجزئة، خسرت في شهر كانون الأول 40 في المئة من حجم أعمالها السنوي، ومعظمها عرضة للإقفال.
– نسبة 50 في المئة من اليد العاملة في القطاع الخاص معرضة في الأشهر المقبلة للصرف. وإذا اعتبرنا ان القطاع يشغل حوالى 700 ألف عامل، فإن 350 ألف موظف يعيلون ما لا يقل عن مليون فرد في المجتمع سيعجزون عن تأمين قوتهم.- نسبة 60 في المئة من الشركات ستتحول من رابحة إلى خاسرة خلال الفترة المقبلة.
العمال أولوية
“همّنا الأساسي اليوم هو المحافظة على عمالنا. والتضامن في ما بيننا، أرباب عمل وعمال لتمضية هذه المرحلة الصعبة التي يمر بها لبنان. لذا نحن هنا”، يقول نائب رئيس جمعية الصناعيين زياد بكداش. ويضيف أن “الشركات التي حققت خلال السنوات الماضية أرباحاً خيالية عليها أن تضحّي في هذه الأزمة، وألا تلجأ إلى صرف عمالها. مع العلم أن هناك الكثير من الشركات التي أُجبرت على دفع نصف راتب، بعد تنشيف السيولة وتوقف الإنتاج، وعجزها عن استعمال حساباتها الجارية في المصارف”.
مجموعة “سامسونغ” في لبنان، التي تشغّل حوالى 350 موظفاً عمدت نتيجة الإجراءات المصرفية إلى تقصير دوام العمل إلى الساعة الواحدة ظهراً، وإقتطاع 50 في المئة من الرواتب. وبحسب مديرها إدي شرفان فإن “عمل المجموعة تراجع بنسبة 95 في المئة، فنحن نعتمد بشكل كلي على الإستيراد من الخارج، وهذا ما أصبح مستحيلاً مع وقف المصارف كل عمليات تحويل الاموال”. ويلفت إلى أن “تخفيض دوامات العمل والرواتب هو محاولة لعدم إضطرارنا إلى صرف أي موظف، خصوصاً بعدما أصبحت مبيعاتنا توازي حجم رواتبنا”.
ريما الحسيني التي تملك شركة لتصميم وتنفيذ الهدايا، تراجع عملها بنسبة 60 في المئة بعدما أصبحت عاجزة عن استيراد المواد الأولية الضرورية لصناعتها. هذا الواقع فرض على الشركة وقف التعامل مع 72 عاملاً متعاقداً، وتخفيض رواتب 28 موظفاً ثابتاً. وتشدّد على أن “الموظفين هم النفس الأخير في الشركة، وسنحاول قدر المستطاع الحفاظ عليهم رغم كل الصعوبات”.
العصيان الضريبي
“لم نعد نستطيع الإكمال في هذا النهج”، يؤكد وضاح الصادع من تجمع أصحاب الشركات الداعية للحراك، ويوضح أن “نسبة كبيرة من أموال الضرائب التي كنا ندفعها سرقت، وهذا بشهادة المسؤولين في السلطة. وبالتالي سنتوقف عن دفع كل متوجبات الدولة إلى ان نصل إلى حل من اثنين: إقفال مؤسساتنا بالقوة، أو استجابة الحكومة العتيدة لمطالب القطاع الخاص”.
المدير العام لشركة G.W.R نبيل رزق الله يسأل “أيهما أكثر إلحاحاً: الضرائب التي تذهب إلى جيوب المسؤولين وتضيع في زواريب الدولة والمحاصصة، أم أن نحافظ على لقمة عيش موظفينا وعائلاتهم؟”، ويطالب الدولة “بتجميد الضرائب ووقف الغرامات على المتأخرات، وإجبار المصارف على تخفيض الفوائد وعدم ملاحقة المتأخرين عن دفع أقساط ديونهم”.