لماذا اختارت الحكومة أن تقدّم عنق المودعين والقطاع المالي كأضاحٍ لصندوق النقد؟

8 يونيو 2020
لماذا اختارت الحكومة أن تقدّم عنق المودعين والقطاع المالي كأضاحٍ لصندوق النقد؟

كتب انطوان فرح في “الجمهورية”: هناك أسباب غير مُعلنة دفعت حكومة حسّان دياب الى خيارات غريبة في خطة الاصلاحات المطروحة للانقاذ. ومن يُراجع الدراسات المتعلقة بالشروط والظروف التي أحاطت ببرامج المساعدات التي وافق عليها صندوق النقد الدولي، خصوصاً منذ العام 1980، يُدرك لماذا اختارت السلطة عندنا إفلاس المودعين، تحت تسمية الانقاذ.

منذ ان انفجرت أزمة الأرقام المتضاربة بين الخطة الحكومية من جهة، ورؤية مصرف لبنان من جهة ثانية، ومن ثم خطة المصارف من جهة ثالثة، تراجعت الحظوظ في إنجاح المفاوضات مع صندوق النقد الدولي. ورغم انّ الدولة حاولت استدراك هذه الأزمة من خلال السعي الى توحيد الأرقام الرسمية، إلّا أنّ المشكلة على حقيقتها لا تكمن في الأرقام مهما كانت متباعدة أو متضاربة، بل بفلسفة الحل، وهنا بيت القصيد.

من الواضح أنّ الفارق الاساسي بين الخطة الحكومية وخطة المصارف ورؤية مصرف لبنان يتعلّق بخريطة الخروج من النفق. وبينما تسلك الحكومة طريق الاقتطاع والشطب للديون، وهي تدرك انّ هذا الطريق يودي حتماً الى اقتطاعات كبيرة من الودائع (Haircut)، تسلك المصارف ومصرف لبنان طريق التعافي من خلال مساهمة الدولة في قسطها من الاضرار، ومن خلال الاصلاحات البنيوية التي تشمل كامل المرفق العام.

في قراءة هذا الخلاف في استراتيجية الخروج من الأزمة، يُطرح سؤال محوري: لماذا اختارت الحكومة الحالية أن تقدّم لصندوق النقد، وقبل أن يطلب، عنق المودعين والقطاع المالي، كأضاحٍ لِحثّه على الموافقة على التعاون مع لبنان في برنامج مساعدات؟

من خلال مراجعة الظروف والشروط التي أُنجزت بها القروض التي قدّمها صندوق النقد الدولي منذ العام 1980، تتكشّف الحقائق التالية:

أولاً – قسم من هذه القروض كانت مُرفقة بشروط تتعلق بخفض الانفاق على القطاع العام.

ثانياً – قسم آخر من القروض تمّت من دون هذا الشرط، لكنها تضمّنت شروطاً تتعلق بإصلاحات تُحسّن الايرادات وتُخفّض الانفاق.

ثالثاً – قسم ثالث من القروض تضمّنت زيادات ضرائب ورسوماً مختلفة.

هذه الشرائح من القروض، وبرامج المساعدات ترتكز على عاملين للاختيار فيما بينها:

أولاً – رغبة وإرادة حكومة الدولة التي تقدّم طلب المساعدة الى الصندوق.

ثانياً – تركيبة الاقتصاد والقدرات ونقاط الضعف في الدولة المعنية.

تُبيّن دراسة نُشرت في العام 2018، أنّ القاسم المشترك بين كل انواع القروض التي قدّمها صندوق النقد منذ بداية نشاطه قبل حوالى 72 سنة، يتعلّق بالسعي الى تحقيق توازن في المالية العامة، وفي ميزان المدفوعات. ويسلك الصندوق طرقاً مختلفة للوصول الى هذا الهدف.

لكنّ الأهم أنّ الدراسة تُظهر أنّ غالبية الحكومات في الدول الراغبة في الاقتراض تميل الى تحاشي خفض حجم القطاع العام. ويتبيّن أيضاً انّ حجم هذا القطاع في معظم الدول المتعثرة أكبر من المعايير الاقتصادية السليمة لضمان التوازن في المالية العامة. والسبب، كما تورده الدراسة، يعود الى أنّ التوظيف في القطاع العام في هذه الدول له اسبابه السياسية، إذ تعتمده السلطة كأسلوب زبائني لإرضاء الناخبين. كما انّ الحكومات تتحاشى المَس في القطاع العام، خوفاً من الاضطرابات الشعبية. وهكذا تتجه الحكومات الى الخيارات الاخرى، عندما يكون المجال مُتاحاً.

بين العام 1983 و1990، هناك حوالى 91 % من قروض صندوق النقد تضمّنت شروطاً لتحسين المالية العامة. ومنذ العام 1990 حتى اليوم، هناك 100 % من قروض الصندوق تضمنت هذه الشروط. وهذا يعني ان لا قروض من دون تحسين الايرادات وخفض النفقات في مالية أي دولة ترغب في الحصول على مساعدة. وعلى سبيل المثال، المساعدة لدولة بنين (افريقيا) تضمّنت شرطاً لخفض حجم القطاع العام الى ما دون الـ4,6 % من الناتج المحلي (GDP).

كذلك وافقت تانزانيا على خفض حجم قطاعها العام بنسبة 8 % خلال 3 سنوات بالتزامن مع حصولها على برنامج المساعدة بين 1996 و1999. أمّا مصر، فقد تحاشت المَس بالقطاع العام واختارت بدلاً من ذلك، عندما حصلت على المساعدة في العام 1991، زيادة الايرادات من خلال رفع تعرفة الكهرباء والرسوم الجمركية وزيادة بعض الضرائب. في المقابل، اختارت ايرلندا في العام 2010 الموافقة على تقليص حجم قطاعها العام بين 5 و8 % للحصول على مساعدة صندوق النقد. ووافقت أوغندا على خفض عدد موظفي القطاع العام بحوالى 65 ألف موظف…

في النتائج التي تخلُص اليها الدراسة، انّ الشروط تختلف بين دولة وأخرى بحسب وضعية كل سلطة، ومفهومها للدولة وطريقة إدارتها لشؤون الناس. الحكومات الضعيفة والدول الأقل تطوراً، تختار دائماً ان تتجنّب المعالجات التي قد تؤدّي الى أثمان سياسية، مثل تقليص الانفاق في القطاع العام. في حين انّ الدول التي تتمتّع بأنظمة قادرة، تختار شروط تقليص حجم قطاعها العام ليتماهى مع المعايير الاقتصادية.

لقراءة المقال كاملاً اضغط هنا.