اكتشاف جديد للغاز في البحر الأسود.. ما تأثيراته وتداعياته؟!

18 أكتوبر 2020
اكتشاف جديد للغاز في البحر الأسود.. ما تأثيراته وتداعياته؟!

مع اكتشافات تركيا المتتالية للغاز الطبيعي في البحر الأسود تزداد آمال الأتراك بوصول بلادهم إلى مصاف “الـ10 الكبار”، وتحسين الواقع الاقتصادي عبر تقليل الاعتماد على الخارج في مجال الطاقة وتلبية الاحتياجات محليا.


ويأتي الاكتشاف التركي الجديد وسط تجدد الخلافات الحادة مع اليونان وقبرص في شرق البحر المتوسط، إذ تصر تركيا على التنقيب في مياه متنازع عليها، بحسب ما جاء في تقرير لقناة “الجزيرة”.

الاكتشاف الجديد
 وأعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أمس السبت اكتشاف 85 مليار متر مكعب إضافي من الغاز الطبيعي في البحر الأسود، ليرتفع إجمالي احتياطي الغاز المكتشف في منطقة “تونا-1/ حقل صقاريا” إلى 405 مليارات متر مكعب.

وتبلغ قيمة احتياطي الغاز المكتشف في الحقل المذكور نحو 90 مليار ليرة تركية (11.3 مليار دولار)، وسيتيح لتركيا تلبية احتياجاتها المنزلية من الغاز الطبيعي محليا لمدة 25 عاما، وتلبية كامل احتياجاتها من الغاز لمدة 8 سنوات.

ويقترب حجم الاحتياطي المكتشف في البحر الأسود من نصف حجم احتياطي حقل ظهر الضخم في مصر، والذي وصفته القاهرة والشركات العالمية التي تعمل فيه بأنه أكبر حقل في البحر المتوسط.

وتستورد تركيا أكثر من 90% من احتياجاتها النفطية من الخارج، مما يضعها على رأس قائمة البلدان التي تستهلك أغلى أنواع الوقود على مستوى العالم، إذ تبلغ فاتورة الواردات التركية من الطاقة حوالي 40 إلى 45 مليار دولار سنويا، وتعد العراق وإيران وروسيا على التوالي من أهم الدول المصدرة للنفط الخام إلى تركيا.

وتسعى تركيا لبدء إنتاج الغاز من الحقل المذكور بحلول 2023 بطاقة إنتاجية تبلغ 5-10 مليارات متر مكعب سنويا، على أن يصل الإنتاج إلى أعلى مستوى بحلول 2026 بقدرة إنتاجية تبلغ 15 مليار متر مكعب سنويا، كما تهدف إلى مد أنبوب بطول 200 كلم من أجل ربط الغاز المستهدف إخراجه بشبكة الغاز الطبيعي في البلاد.

وقال رئيس الاتحاد التركي لموزعي الغاز الطبيعي يشار أرسلان إن الاكتشاف الأول للغاز في البحر الأسود والبالغ 320 مليار متر مربع كان مجرد بداية.

وأشار إلى أن الاحتياطي الحالي سيرتفع مع استمرار أنشطة التنقيب والحفر لسفن الأبحاث الزلزالية في المنطقة، وقد تشهد الأشهر المقبلة اكتشافات جديدة للموارد في البحر الأسود.

يشار إلى أن سفينة “الفاتح” أبحرت من إسطنبول إلى البحر الأسود في 29 أيار الماضي الذكرى السنوية الـ567 لفتح مدينة القسطنطينية (إسطنبول)، وأنها باشرت في 20 تموز 2020 أعمال التنقيب في حقل “صقاريا”، حيث تؤدي أنشطتها حاليا، ثم اكتشفت السفينة في 21 آب الماضي 320 مليار متر مكعب من احتياطيات الغاز الطبيعي في منطقة “تونا-1″، كما واصلت “الفاتح” أعمال الحفر بعد 21 آب، ووصلت إلى عمق 4775 مترا.

تداعيات اقتصادية
ويرجح الباحث الاقتصادي في جامعة يلدريم بيازيد بأنقرة محمد كلوب أن يؤدي هذا الاكتشاف إلى دعم العملة التركية، وسيعطي إشارات إيجابية للمستثمرين في تركيا، وهو ما قد يخفف حدة نزيف الليرة مقابل العملات الاجنبية، خصوصا في ظل تصاعد نبرة الولايات المتحدة ضد تركيا بما يخص منظومة الدفاع الجوي الروسي “إس-400” (S-400).

وقال كلوب لـ “الجزيرة”: “سيغير الاكتشاف موقع تركيا تدريجيا في سوق الطاقة العالمية من مستورد بحت إلى مكتف ذاتيا في سوق الغاز الطبيعي”.

ولفت إلى أن الآثار الاقتصادية الملموسة للاكتشاف ستبدأ فعليا مع بداية الإنتاج، وستنعكس إيجابيا على الميزان التجاري التركي، حيث بلغت ايرادات الطاقة التركية العام الماضي 41 مليار دولار، وهذا سيعدل كفة الميزان التجاري لصالح تركيا، مما يقلل الطلب على النقد الأجنبي اللازم لاستيراد هذه الكميات.

وأضاف الباحث الاقتصادي في جامعة يلدريم بيازيد “لطالما كانت تركيا معتمدة بشكل أساسي على الغاز الروسي كمصدر للطاقة، وهذا الاعتماد أضعف الموقف التركي مرارا وتكرارا في سوريا وليبيا وأخيرا في الصراع الدائر بين أرمينيا واذربيجان، فمع اكتشاف هذه الاحتياطات سيصبح الموقف التركي أقل تعرضا للضغوطات الروسية النابعة من سيطرتها على موارد الطاقة الأساسية لتركيا”.

وأكد أن استخدام سفن تركية محلية الصنع في التنقيب عن الغاز لم تأخذه العديد من الجهات الدولية على محمل الجد، لكن مع توالي الاكتشافات في البحر الأسود أثبتت السفن المحلية كفاءتها في التنقيب وأثبتت للمشككين خطأ اعتقادهم، فمع هذه الاكتشافات أصبحت تركيا الآن قادرة على اكتشاف واستخراج الغاز، سواء كان في البحر الأسود أو البحر المتوسط، وجاهزة أيضا عسكريا لحماية هذه الاكتشافات.

ويرى الباحث كلوب أن قدرة تركيا على التنقيب والاستخراج ستعمل على تسارع الجهود الدبلوماسية، بما فيها خضوع اليونان وجلوسها لطاولة التفاوض لقطع الطريق على تركيا من الاستفراد بجميع المناطق التي تعمل فيها حاليا، وهو ما ستزيد احتمالاته في حال اكتشفت تركيا حقلا للغاز في المنطقة المتنازع عليها.

متغيرات اقتصادية
 وقالت صحيفة “يني شفق” إن اكتشاف الغاز الطبيعي في البحر الأسود سيثمر عن متغيرات اقتصادية مهمة في 4 مجالات مختلفة، مرجحة أن تشهد معدلات التضخم تراجعا كبيرا نتيجة انخفاض تكاليف الطاقة المستخدمة في القطاع الصناعي، وسينعكس ذلك في شكل انخفاض واضح في الأسعار.

وأضافت الصحيفة التركية أن أسعار الفائدة ستنخفض بشكل تدريجي نظرا للإيراد السنوي الذي سيدخل البلاد بفضل الغاز المكتشف، والمقدر بمليارات الدولارات، لافتة إلى أن اكتشاف الغاز الطبيعي سينهي عهد تبعية استيراد الغاز، مما سيثمر بدوره عن انخفاض فواتير الغاز في الوحدات السكنية.

وفي السياق، ذكر تقرير لمؤسسة “ريستاد إنرجي” (Rystad Energy) لأبحاث الطاقة النرويجية المستقلة أن استهلاك تركيا للغاز انخفض خلال السنوات الأخيرة بسبب زيادة استثماراتها في الطاقة المتجددة.

وتتوقع أن يكون استهلاك تركيا من الغاز الطبيعي نحو 55 مليار متر مكعب بحلول 2030، لافتة إلى أن دخول حقل صقاريا للخدمة في إنتاج الغاز سيتيح لتركيا التقدم بخطى ثابتة نحو الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي.

وأشارت إلى أن توقيت الاكتشاف لا يمكن أن يكون أفضل من هذا التوقيت، لأن 25% من عقود الغاز طويلة الأجل لتركيا تنتهي العام المقبل، وهو ما يتيح لأنقرة فرص الحصول على أسعار أفضل للغاز من الموردين، موضحة أن الاكتشاف الاحتياطي ما زال في مراحله الأولى، وينبغي إجراء بعض الاختبارات له.