سوق الطاقة الشمسية العالمي تحت سيطرة الصين

16 يونيو 2021
سوق الطاقة الشمسية العالمي تحت سيطرة الصين

في لحظة فخر واعتزاز، اجتمع العمدة توم هيوز وعدد من الساسة للاحتفال بافتتاح مصنع ألواح شمسية بقيمة 440 مليون دولار في هيلسبورو بولاية أوريغون في الولايات المتحدة.كانت لحظة افتتاح شركة “سولار وورلد” هذه تبشِّر بنقطة تحول لمسقط رأس هيوز، الواقع غرب بورتلاند، إلا أنَّ هذه الآمال لم تكن بسبب “سولار وورلد” فقط، بل كانت أيضاً تتعقَّد على الشركات الأخرى التي ستعمل مع “سولار وورلد” في إنشاء مجموعة تصنيع قائمة على السيليكون والطاقة الشمسية في هيلسبورو، وذلك بحسب ما قال هيوز.

كان ذلك المشهد في عام 2008، فقد كانت الطاقة الشمسية على وشك أن تصبح أحد أسرع مصادر الطاقة نمواً، في عالم يعجُّ بتحذيرات من تغيُّر المناخ.نموذج السوق الاشتراكيتزامن ذلك مع وعود القادة الأمريكيين، بدءاً من البيت الأبيض إلى الكونغرس، بأنَّ الوظائف الصديقة للبيئة لن تحلَّ محل تلك المهددة في حقول النفط، ومناجم الفحم بالبلاد فحسب. بل إنَّها ستضمن أيضاً فرص عمل أكثر أماناً واستقراراً.في خضم ذلك، ظهر منافس سريع النمو على طول المحيط الهادئ، ووضع خططاً للهيمنة على إنشاء محطات الطاقة الشمسية. وكان هذا المنافس هو الصين، التي حرصت على إثبات تفوق نموذج سوقها الاشتراكي. فهي تجمع الاستثمارات الحكومية التي قزَّمت الجهود الأمريكية، التي باتت مقيّدةً بمستوى العمل ضمن الولايات وطنياً، وإجبارها للمرافق العامة بالتحوُّل نحو استخدام الطاقة المتجددة.

أنشأت الصين سلسلة إمدادات شاملة، وأصبحت تصنع الآن معظم البولي سيليكون الموجود في العالم، الذي يُعرف بأنَّه المادة الرئيسية في صنع الألواح الشمسية.كذلك تجاهلت بكين مناشدات دعاة حماية البيئة لإغلاق محطات الفحم التي توفِّر الكهرباء الرخيصة اللازمة لصنع معدات الطاقة الشمسية. كما أنَّها أبقت تكاليف العمالة لديها أقل من مستوى التكاليف في معظم الدول الصناعية، كذلك كانت البلاد على استعداد لدعم العمليات غير المربحة أيضاً.والنتيجة؟ أصبحت الشركات الصينية توفِّر حالياً ثلاثة أرباع الألواح الشمسية في العالم.فشل للتصنيع في الولايات المتحدةفي المقابل، تنتج الشركات الأمريكية الآن 1% فقط من تلك الألواح على الأراضي الأمريكية. وذلك بعد أن كانت تصنِّع 22% منها قبل 20 عاماً فقط. وذلك بحسب ما قالته جيني تشيس، رئيسة قسم تحليل الطاقة الشمسية لدى “بلومبرغ NEF”.وفي مرحلة ما، كان هناك 75 مصنعاً كبيراً لمعدات الطاقة الشمسية في الولايات المتحدة. وهو رقم كان من المتوقَّع نموه مع ازدهار الصناعة، لكن معظم تلك المصانع تمَّ إغلاقها منذ ذلك الحين. وانضمَّ إليهم مصنع هيلسبورو مؤخراً، الذي أغلق أبوابه بعد مضي 13 عاماً فقط من عمله.ذلك يعني أنَّ الصناعة لم تستطع ترسيخ جذورها في الولايات المتحدة. فقد فشلت، بالرغم من إنفاق مليارات الدولارات عليها من الحوافز الحكومية. وأيضاً، على الرغم من مرور عقدين من تعهد الرؤساء، منذ عهد جورج بوش، بأنَّ البلاد ستكون قوة عظمى في مجال الطاقة النظيفة.احتكار صينييشار إلى أنَّ الرسوم الجمركية الهائلة التي فرضها الرئيسان السابقان باراك أوباما، ودونالد ترمب، نجحت في دعم انتشار الأعمال في القطاع من الصين إلى دول آسيوية أخرى أيضاً.يزعم عضو مجلس الشيوخ عن ولاية أوريغون، رون وايدن، ونقاد آخرون أنَّ الصين استفادت من الممارسات التجارية غير العادلة، واستخدام العمالة القسرية في سلاسل توريدها، وهي اتهامات ترفضها البلاد.لكنَّ المحللين يعتقدون أنَّ هذه الاتهامات لم تلعب دوراً مهماً على الأرجح في نجاح استراتيجية الصين للطاقة الشمسية، بل إنَّ هيمنتها جاءت نتيجة لالتزامها باحتكار السوق.في هذا الصدد، قالت سارة لاديسلاو، كبيرة المستشارين في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية: “لقد بذلوا جهداً أكبر منّا للنجاح”. وأوضحت: “كان لدى الصين خطة، ونفَّذتها. وكان لديها سياسات لإيجاد العرض، وسياسات لخلق الطلب، وقد نفَّذتها أيضاً”.تضارب أمريكيفي الوقت نفسه، انخرطت الولايات المتحدة في حوافز قصيرة الأجل، ووضع حواجز تجارية حفَّزت الردود الانتقامية، بدلاً من اللجوء لنهضة في التصنيع.كما أنَّ السياسة المجزأة والمتضاربة للولايات المتحدة لا تتناسب مع “استراتيجية صناعية” على غرار الصين للسيطرة على قطاع الطاقة الشمسية، وفقاً للاديسلاو. وأضافت كبيرة المستشارين: “لا يمكنك النظر إلى حفنة من الإجراءات المتراخية على أمل الحصول على نتائج أكثر استدامة”.فقد كانت الاستراتيجيات الفاشلة للرؤساء الأمريكيين السابقين تحذيراً قوياً للرئيس المنتحب حديثاً جو بايدن. فقد جعل الاستثمار في الطاقة المتجددة محوراً لمبادراته المتعلِّقة بتغيُّر المناخ، وخطته للبنية التحتية التي تقدَّر بمليارات الدولارات. ومع ذلك، فإنَّ الوفاء بالوعود المتعلِّقة بجعل سياسة المناخ محرِّكاً للوظائف، وهو أمر لن يكون سهل التحقق.سباق السيارات الكهربائيةلم يولد قطاع الطاقة الشمسية قط فرص عمل هائلة في الولايات المتحدة، التي بلغ التوظيف فيها ذروته عند حوالي 30 ألف وظيفة. لكنَّ مسابقة الطاقة النظيفة القادمة مع الصين ستكون أكثر إيلاماً إذا تمَّت خسارتها. خاصة أنَّ كلا البلدين يدرك أنَّ المستقبل سيكون مدفوعاً بالمركبات الكهربائية، وقد تعهد بايدن بفوز الولايات المتحدة في سباق تصنيع هذا النوع من المركبات.من جهتها، تخطط مدينة ديترويت لإحداث تحوُّل كامل نحو المركبات الكهربائية، في وقت يجادل فيه الكونغرس بشأن الإعفاءات الضريبية، وما إذا كان يجب الدفع لمحطات الشحن.في المقابل؛ فإنَّ الصين أنشأت حوالي 800 ألف محطة شحن عامة، وهو ما يعادل ثمانية أضعاف العدد في الولايات المتحدة تقريباً. كما أنَّها استغلت مزيج الحوافز الضريبية، ومنح الأراضي والقروض منخفضة الفائدة والإعانات الأخرى، لتصبح أكبر منتج للسيارات في العالم لستة أعوام متتالية.وبالفعل، بدأت مئات الشركات في تصنيع سيارات كهربائية داخل عشرات مراكز التصنيع المتخصصة في كافة أنحاء البلاد. وهي خطوة جاءت للاستفادة من أشباه الموصلات والبطاريات الرخيصة، وهما صناعتان إضافيتان شرعت بكين في السيطرة عليهما. فالاستراتيجية الشاملة تعدُّ جزءاً من مخطط الرئيس الصيني شي جين بينغ لتحويل البلاد إلى قوة صناعية عظمى. وهي خطط تحاكي الاستراتيجيات المستخدمة للتفوق في التصنيع العالمي للألواح الشمسية.إذ إنَّ انتصار الصين فيما يتعلَّق بالألواح الشمسية، كان كبيراً لدرجة أنَّ المؤيدين السابقين لاستراتيجية الطاقة المتجددة في أمريكا، باتوا يقولون، إنَّ الوقت قد حان للتخلي عن القتال والاكتفاء بوظائف تركيب الألواح التي أنشأتها المعدَّات الصينية منخفضة التكلفة. ويشكِّل هذا الانتصار ألماً بالنسبة لمدينة هيلسبورو، وسكانها البالغ عددهم 106 ألف نسمة.ففي الأيام الأولى، رأى العمدة السابق هيو، مصنع الطاقة الشمسية باعتباره فرصة لتنويع اقتصاد منطقة هيمنت عليها صناعة الرقائق الإلكترونية، لدرجة أنَّه أطلق عليها اسم “غابة السيليكون”. في وقت أدى فيه فقدان الوظائف من قبل شركة “إنتل” محلياً، إلى إبراز أخطار اعتماد المدينة على القطاع المتقلِّب للتكنولوجيا الفائقة.مدينة الطاقة الشمسيةفي المقابل، انجذبت شركة “سولار وورلد” إلى وعود الحصول على عمّال مدربين من وادي السيليكون، وضمان ضريبي حكومي بتعويض 35% من تكاليف المشروع. فضلاً عن إطلاق الكليات المحلية لبرامج تدريب العمال على التصنيع في مجال الطاقة الشمسية.ومع توافر الإمكانات، بدأ هيوز في توظيف شركات تصنيع أخرى، كما أنَّه سافر إلى المعارض التجارية في ألمانيا وإسبانيا لاستقطاب مورِّدي الطاقة الشمسية إلى إقليم الشمال الغربي الهادئ.ومن هذا المنطلق، توجَّهت 12 شركة أخرى على الأقل إلى المدينة. وقام بعضهم بتفحُّص المواقع بجدية، لكن انهارت كل هذه المخططات عند الاقتراب من التوصل إلى اتفاق بشأن التمويل، بحسب ما قال هيوز.كما أنَّ المصير نفسه طال “سولار وورلد” أيضاً، لأنَّ الألواح الشمسية التي صُنعت في الولايات المتحدة لم تستطع المنافسة مقابل الخيارات الأفضل، والأرخص التي تدعمها الصين. كما أنَّ مركز مؤتمرات أوريغون الواقع على بعد 29 كيلومتراً من المصنع، اختار استعمال الواردات الصينية.من الجدير الذكر أنَّ شركة “سولار وورلد” تقدمت بطلب للحماية من الإفلاس في عام 2017. وبعدها بعام، باعت مصنع هيلسبورو للشركة المنافسة “سن باور”، التي تتخذ الآن خطوات لإغلاق المصنع.لكن الأمور لم تكن من المفترض أن تسير على هذا النحو.وعود أوباما الخضراءفي عام 2008، ربح أوباما انتخابات البيت الأبيض، وسط وعود بخلق 5 ملايين وظيفة خضراء. مع دعم موجة من مشاريع الطاقة الشمسية التي ستنشئ في الجنوب الغربي المشمس، وتدعم الكثير من تلك الوظائف.وتباهى أوباما قائلاً: “عندما تتحوَّل الشركات والمنازل إلى الطاقة الشمسية، فإنَّ كل لوح يوضع في مكان ما، سيكون وضع من قبل عامل، لا يمكن الاستغناء عنه أو الاستعانة بمصدر خارجي للتعويض عنه”.كما كان هذا العمل مدفوعاً بالإعفاء الضريبي لعام 2005، الذي سمح للمطوِّرين باستقطاع 30% من تكاليف مشاريع الطاقة الشمسية. وبرغم أنَّ هذا الإعفاء الضريبي لم يتطلَّب استخدام قطع غيار أمريكية، إلا أنَّ إدارة أوباما حاولت تنمية صناعة ألواح الطاقة الشمسية المحلية عبر تقليص الفواتير الضريبية لمصنِّعي الطاقة النظيفة أيضاً.وهناك أيضاً الحزمة التحفيزية لعام 2009 التي خلقت ائتماناً ضريبياً منفصلاً بنسبة 30%، وذلك لتوجيه 2.3 مليار دولار، نحو أكثر من 180 مُصنع للطاقة المتقدِّمة.ومع ذلك، من بين متلقين هذه الحوافز، لم تعمل سوى 8 جهات فقط، بتصنيع الألواح الشمسية. وبعد عام واحد فقط، نفَّذت أموال الحوافز. هذا فضلاً عن أنَّ إدارة أوباما حولت الأموال الأولية لشركات الطاقة الشمسية عبر برنامج ضمان القروض، الذي كان أُنشأ في عهد بوش لتعزيز تقنيات الطاقة المتقدمة.آمال مبددةوفي عام 2010، بدا أنَّ الإنفاق سيؤتي ثماره، عندما توقَّف أوباما عند مصنع جديد للطاقة الشمسية في فريمونت بولاية كاليفورنيا لتمجيد إمكانات الصناعة.فقد قال أوباما، عند زيارته لمنشأة “سوليندرا”: “قبل قانون الانتعاش، كان بوسعنا بناء 5% فقط من الألواح الشمسية في العالم، لكنَّنا سنضاعف حصتنا إلى أكثر من 10% في الأعوام القليلة المقبلة”.لكن شركة “سوليندرا” نفسها، تعثَّرت في سداد ضمانات القروض من الحكومة بقيمة 535 مليون دولار، وذلك بعد تلقيها لقيمتها بالكامل. وهو الأمر الذي تسبَّب في فضيحة، وألقى بظلاله على كامل البرنامج الضريبي. وقد توقَّفت الحكومة عن تقديم ضمانات القروض عبر البرنامج بحلول أواخر عام 2011. وحتى الآن، لم تصل الولايات المتحدة إلى حصة تصنيع الـ 10% التي تحدث عنها أوباما.في حين كانت الصين في المقابل تستخدم كل الأدوات التي تحت تصرُّفها لتطوير صناعة الطاقة الشمسية فيها. فقد عرضت الحكومات المحلية الأراضي بتكلفة رخيصة، وقدَّمت البنوك المدعومة من الدولة شروط تمويل ملائمة. كما خلقت بكين أيضاً الطلب على منتجات الطاقة الشمسية من خلال تقديم إعانات سخية ساعدت في جعل البلاد أكبر مشترٍ للألواح الشمسية في العالم.