كتبت ليا قزي في” الاخبار”: تملك المصارف التجارية 2433 مليار ليرة، نقداً، يُفترض أن تستخدمها لتسيير العمليات اليومية. إلا أنّ المصارف قرّرت تخفيض سقف السحوبات بالليرة، وإطفاء الصرافات الآلية، ومنع أصحاب الحسابات من الولوج إلى أموالهم… بحجة أنّ مصرف لبنان لا يُعطيها الليرات. المصارف سطت سابقاً على دولارات المودعين، واليوم تمدّ يدها إلى ليراتهم لتستبدلها بالدولارات و«تُهرّبها» إلى الخارج. المعادلة ذاتها: إنقاذ المصارف على حساب المجتمع
إجراء تقنين سحوبات الليرة ليس جديداً، بل فُرض منذ حصول الانهيار. لم يُخفِ حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، سياسته القاضية بامتصاص الكتلة النقدية من السوق. فيعتبر أنّه بهذه الطريقة يحدّ من قدرات الناس الاستهلاكية، فلا تعود رواتبهم أو مدخراتهم تكفي سوى لتسديد الفواتير الأساسية كالكهرباء والمولدات الخاصة والبنزين… بالتالي يتحقّق «حلمه» بتخفيض فاتورة الاستيراد، ويمنع الأفراد من استبدال ليراتهم بالدولار، فيضبط سعر الصرف في السوق الموازية. في الأسابيع الماضية، «خَنقت» المصارف السحوبات بالليرة أكثر، وامتنعت عن إعطاء الموظفين رواتبهم، مُستثنية الشركات التي تأتيها بالليرات النقدية. لماذا؟
جمعية المصارف أصدرت بياناً يوم الجمعة تضع فيه اللوم على مصرف لبنان لأنّه «خفّض سقوف الأموال النقدية التي يُمكن للمصارف سحبها من المركزي بحسب كوتا تمّ تحديدها لكل مصرف». لكنّ جمعية المصارف تكذب. والاتهام لا يأتي من أي جهة، بل من البنك المركزي. يُنقل عن سلامة أنّه كان يُعطي المصارف كميات كافية من الليرة، احتفظت بها لتشتري الدولارات وهو ما يظهر في إحصاءات مصرف لبنان عن الميزانية المجمّعة للمصارف.
يندرج ضمن الميزانية حساب اسمه «رصيد الخزينة النقدي»، يضمّ الليرات النقدية التي تملكها المصارف في محفظتها للتمكّن من تلبية الاحتياجات والعمليات اليومية. في تموز عام 2020، بلغت موجودات الحساب 1.7 ألف مليار ليرة. انخفض المبلغ في تشرين الأول عام 2020 إلى 1.3 ألف مليار ليرة، قبل أن يرتفع من جديد إلى 2.5 ألف مليار ليرة في حزيران 2021، ثم 2.4 ألف مليار ليرة في تموز الماضي. يعني أنّ المصارف قادرة على إعطاء المودعين والموظفين ليراتهم. يُدافع مدير أحد المصارف من الفئة الأولى بالقول إنّ «الرقم يشمل المصارف مجتمعةً، ولكن يجب النظر إلى حالة كلّ بنك على حدة. فمنّا من يتعرّض لتضييق كبير من مصرف لبنان، عبر تخفيض حجم الكوتا بالليرة».
ماذا عن تلك المعفاة من «حصار» سلامة؟ تُخزّن كميات كبيرة من الليرة لتشتري بها الدولارات. فالمصارف لم تستطع بعد تكوين سيولة بنسبة 3 في المئة (من مجمل الأموال المودعة لديها بالعملات الأجنبية) في حساباتها مع المصارف المراسلة في الخارج، ولديها استحقاقات مصرفية عدّة تحتاج – لإتمامها – إلى الدولار النقدي. فضلاً عن أنّ التعميم 158 (دفع 50 في المئة من الودائع بالدولار و50 في المئة بالليرة) «شرّع» لجوءها إلى السوق، حين سمح للمصارف استخدام سيولتها الخارجية لدفع الجزء من الوديعة بالدولار «شرط إعادة تكوين نسبة الـ3 في المئة في الحسابات لدى المصارف المراسلة في مهلة أقصاها 31/12/2022»