عامان على تطبيق قانون الشراء العام: نجاحات وإخفاقات وتعطيل للهيئة

5 سبتمبر 2024
عامان على تطبيق قانون الشراء العام: نجاحات وإخفاقات وتعطيل للهيئة

وُضع قانون الشراء العام في أعلى قائمة القوانين الإصلاحيّة في لبنان، ومثّل إقراره مطلب الجهات الدوليّة في إطار برنامج التعافي والإصلاح، كونه يهدف إلى تحقيق الشفافيّة والفعاليّة في إنفاق المال العام خلال صفقات الشراء العمومية. أُقرّ القانون في 30 حزيران 2021، بعد أكثر من عام على دراسته في لجنة فرعيّة، ودخل حيّز التنفيذ في 29 تموز 2022، ثم عُدّلت بعض مواده في 18 نيسان 2023 لتنقيته من بعض الشوائب ولجعله أكثر ملاءمة مع واقع الإدارة اللبنانية،ما يسهّل تطبيقه. يُطرح السؤال بعد مرور أكثر من عامين على بدء نفاذه، هل حقّق قانون الشراء العام أهدافه؟

 

لا شكّ أنّ قانون الشراء العام جسّد تحوّلًا إصلاحيًّا لم تعهده إدارات الدولة، لجهة دوره في التنظيم والإشراف والرقابة على عمليّات الشراء في 1500 إدارة ومرفق، منها 30 وزارة، المؤسسات العسكرية باستثناء المشتريات الخاضعة لمبدأ السرّية، 100 مؤسسة عامة بما فيها مصالح المياه، 1155 بلدية فضلًا عن اتحادات البلديات، الهيئات المستقلّة وصناديق المهجرين والجنوب ومجلس الإنماء والإعمار، وشركتي الخليوي ألفا وتاتش، والجامعة اللبنانية، ومؤسسة كهرباء لبنان، ومصرف لبنان. لكن هناك العديد من المعوقات لا زالت تعترض تطبيق القانون على أكمل وجه، وتحقيق الغاية منه. أبرزها التأخّر في  إقرار  أنظمة هيئة الشراء العام، وعدم تشكيل لجنة الاعتراضات لغاية اليوم،بظل الخلل المؤسساتي وحكومة تصريف الأعمال، علمًا أنّ مهمة اللجنة حلّ النزاعات التي تنشأ قبل توقيع العقد.

 

العليّة: سبقنا إدارة المناقصات ولكن..
في تقييمه لمسار القانون، يوصّف رئيس هيئة الشراء العام  الدكتور جان العليّة القانون بالجيد والعصري “الوضع بات أفضل بكثير مما كان عليه قبل الشراء العام، ولكن ما زلنا بعيدين عن المكان الذي يجب أن نصل إليه، فالرقابة الفاعلة ليست فقط نصوصًا قانونية، بل جهاز إداري مكّون من موارد بشرية وقدرات تقنيّة، كي يتمكن من القيام بمهامه”. يضيف العلية “سبقنا إدارة المناقصات بأشواط، ولكن لم نتمكن بعد من تحقيق الأهداف المرجوة، بفعل وجود معوقات، وكنّا قد سلّمنا مجموعة من الأنظمة المتعلّقة بالهيئة وفق لما ينصّ عليه القانون إلى المراجع المختصة، ولم تُقرّ لغاية تاريخه، وهذا جزء من التحدّيات”.

 

حجب موازنة الهيئة وتعطيل أنظمتها
يشير العليّة إلى النجاح في توسيع مروحة الجهات الخاضعة للشراء العام، بحيث أضحى كلٌّ من مصرف لبنان وهيئة أوجيرو ومجلس الإنماء والإعمار وشركتي الخلوي تحت أعين هيئة الشراء العام، ولكن ذلك وإن كان يحقّق موجب النشر على المنصة الالكترونية وما يتيحه من حق المواطن بالاطلاع على المعلومات، ليس كافيّا، وتطبيق القانون يتطلب تمكين هيئة الشراء العام، من خلال تأمين جهاز بشري وتجهيزات تقنية وبرامج معلوماتية، كي تقوم بتحليل ومراقبة المعلومات المنشورة على المنصّة، والتدقيق فيها، لتبني على النتائج. أمّا الواقع داخل الهيئة فمغاير لمتطلبات عملها، إذ لا زالت تعمل بفريق عمل إدارة المناقصات السابق، الذي رغم النص القانوني الواضح والصريح للمادة ٨٨  من قانون الشراء العام وقرار مجلس الوزراء رقم ٧ / ٢٠٢٤ لم يلحق رسميًّا بهيئة الشراء العام، لإرادة لا تعبر إلّا عن التعطيل  وذهنية في التعاطي بالشأن العام لا ترتقي الى مفهوم الإدارة الحديثة والحوكمة الرشيدة ، علمًا أنّ هذا الفريق لا يتعدّى السبعة أفراد، والهيئة تواجه اليوم إرادة تعطيلها وشلّها، فهي غير قادرة على التوظيف لعدم إقرار أنظمتها، كما أنّ الموازنة التي اقرّها لها مجلس النواب ثمة إرادة بحجبها عنها، هذا هو التحدي الأكبر أمام عملنا اليوم، إلى جانب المنصّة الإلكترونية، وهو يكمن في وجوب أن تمتلك الهيئة جهازًا إداريًّا لتتمكّن من متابعة الملفات، لاسيّما وأنّ الروتين الإداري جعل أنظمة هيئة الشراء العام مغيّبة في عهدة إدارات تعتكف عن القيام بعملها،منذ ما يقارب العامين”.
هذا لا يعني أنّ الهيئة لا تقوم بعملها، يشرح العليّة “رغم العوائق أمامها، عملت الهيئة على كلّ ملف وصل إليها، وأصدرت تقريرًا بشأنه، ونشرته. وهناك عمل كبير تمّ إنجازه على مدى عامين في إدارات لم تكن خاضعة للرقابة قبل الشراء العام، كمصرف لبنان وأوجيرو وشركتي ألفا وتاتش ومرفأ بيروت، وغير ذلك من الإنجازات والصعوبات والمعوقات،ختم العليّة سيتضمّنها أول تقرير لهيئة الشراء العام سيصدر قريبًا”.

 

أبرز انجازات القانون إلزام الجهات الشارية بالنشر
طرق إجراء الشراء أضحت أكثر تنظيمًا وحداثة، بحيث يلزم قانون الشراء العام كلّ الخاضعين لاحكامه بموجب النشر “أيّ تلزيم يحصل، يفترض نشر نتيجته ودفتر شروطه وطريقة تلزيمه على الموقع الالكتروني الخاص بالشراء العام. قبل بدء تطبيق القانون كانت تحصل اتفاقيات رضائّية، وتبقى طيّ الكتمان، وهو ما لم يعد جائزًا مع قانون الشراء العام، بحيث بات النشر ملزمًا، بما فيه نشر الإتفاقيات الرضائيّة، باستثناء الإتفاقيات المنصوص عنها في الفقرة الرابعة من المادة 46 بالنسبة للأشغال واللوازم ذات الطابع السري المرتبطة بمقتضيات الأمن والدفاع بناء على اقتراح الوزير المختص، علمًا أنّنا طلبنا أن يكون للشراء العام دور في تقدير السريّة، ولكن كان الاتجاه أن يكون منوطًا بمجلس الوزراء “. يضيف العلية “الإنجاز الذي حققناه في هيئة الشراء العام، والذي خطا خطوة إضافيّة عن قانون الحق بالوصول إلى المعلومات، يكمن في عدم الحاجة إلى تقديم طلب للحصول على المعلومة، بعدما أضحت الجهات الشارية ملزمة بنشر معلوماتها، وهو أمر إيجابي من شأنه أن يمنح دورًا رقابيًا للمواطن والرأي العام والإعلام الاستقصائي”.

التلاعب بالسعر قبل الشراء العام
قبل تنفيذ قانون الشراء العام، كان بعض الوزراء  يطرح على مجلس الوزراء إجراء استدراجات عروض وفقًا للائحة تضم أسماء شركتين أو ثلاث، من دون قيمة تقديرية، فتضع الشركات أسعارًا، وترسي المناقصة على السعر الأدنى، ولكنّه قد يكون أعلى بعشرين ضعفًا عن السعر الحقيقي، مستغلّين عدم معرفة الجهات الرسميّة بحقيقة السعر. أمّا اليوم فطلب عروض الأسعار لا يحصل إلا من ضمن لوائح تُعدّ وفقًا لمعايير تضعها هيئة الشراء العام، ويحقّ لها ضمن عملية التدقيق اللاحق أن تطلب الملف وتدقّق فيه”.
تشكّل عمليات الشراء العام الجزء الأكبر من إنفاق المال العام في لبنان، كون الدولة هي الشاري الأكبر، وتطبيق قانون الشراء العام من شأنه أن يقفل الباب الأعظم أمام الفساد والهدر، ويحمي المال العام، ويبني دولة القانون، ويعيد ثقة الموطن بدولته، والمجتمع الدولي بلبنان، من هنا لا بدّ من استكمال منظومة الشراء العام عبر تشكيل هيئة الشراء العام وتشكيل هيئة الاعتراضات واستكمال المنصّة، فالانتصار على أخطبوط الفساد يمر من هنا، من هيئة الشراء العام.