وفي اليوم الثالث والثلاثين على التكليف ولدت حكومة حسّان دياب. هذه الولادة لم تكن طبيعية بل قيصرية بعدما إستعمل “حزب الله” مبضعه قبل أن تذهب الأمور إلى مزيد من الفراغ. ولولا تدّخله بقوة لما أبصرت هذه الحكومة النور وكان من الممكن ألا تتشكّل، لأن “دود الخلّ منو وفيه”. وهذا التشبيه غير اللائق عبّر عنه أحد الممتعضين، الذي لا يزال في صفوف 8 آذار، عن واقع تشكيل الحكومة والعراقيل التي وضعت في طريقها، بالجملة والمفرّق، قبل أن تبصر النور في اللحظات الحرجة الأخيرة، وهو بذلك كان يلقي اللوم على أحزاب هذا الفريق، التي أثبتت بالتجربة عدم إستعدادها حتى لتحمّل مسؤولية التأليف، وهي مقبلة على مرحلة مصيرية وخطيرة تحتاج إلى قرارات جريئة وحاسمة.
فإذا كانت التقليعة متعثرّة بهذا الشكل الدراماتيكي فكيف ستكون عليه حال الحكومة التي شُكّلت بعد جهد جهيد، ومتى حان وقت العمل الجدّي، خصوصًا أن حجم الخلافات، وإن كانت سطحية، لا يُقاس بحجم المشاكل التي تنتظر حلولًا سريعة وفورية.
فعلى ماذا كانوا يختلفون، وماذا بقي لكي يتفقوا عليه. الخلافات ما قبل الولادة في نظر من يراقب هي تافهة إلى درجة أن لا أحد يمكنه أن يجد المبررات الكافية لتعليل التأخير قبل الولادة، لأن وهج التأليف قد ومض ولم يعد له الوقع الذي كان منتظرًا، بإعتبار أن البلاد لا تعيش اليوم أفضل أيامها حتى يسمح هذا الفريق أو ذاك الطرف لنفسه بأن يطالب بحقيبة وازنة من هنا وحقيبة سيادية من هناك، أو أنه يفتش عن الثلث المعطِّل في بلد أصبح أكثر من ثلثيه، إن لم يكن كله، معطّلًا وغير قادر على الإستمرار بنفس النهج الذي طبع مسيرة التأليف.
قبل أن يصعد الدخان الأبيض من عين التينة قبل القصر الجمهوري كان لرئيس تيار “المردة” الوزير السابق سليمان فرنجية موقف حازم فكان له ما أراد وحصل على وزارتين وازنتين، الأشغال والعمل، وكسر بذلك شوكة الوزير جبران باسيل وعطّل له الثلث المعطِّل، وهذا ما كان يريده الثنائي الشيعي منذ البداية، على رغم حصوله على حصّة الأسد من حيث عدد الحقائب.
وفي قراءة سياسية لإنحياز “حزب الله” لمصلحة فرنجية أكثر من دلالة، وقد يكون أولها أن زعيم زغرتا وضع رجله في بور رئاسة الجمهورية في خطوة متقدمة في مسيرة الألف ميل، بعدما ضمن وقوف “حزب الله” إلى جانبه في المشوار الرئاسي، الذي يبقى محفوفًا بالمخاطر والمفاجآت.
وبذلك يكون فرنجية في الحكومة الجديدة حجر الزاوية والرقم الصعب في مواجهة ما أسماه بالأمس في مؤتمره الصحافي، عندما شنّ هجومًا عنيفًا على باسيل، الجشع والطمع الباسيلي، وهذا يؤّشر إلى أن وزيري “المردة” الماروني والأرثوذكسي سيكونان حجر عثرة أمام طموحات صهر العهد، وهما سيكونان في المرصاد للحؤول دون تمرير المشاريع، التي يعتبرها البعض “مشبوهة”، والتي لم يستطع باسيل تمريرها في حكومتي الرئيس سعد الحريري، بعدما وقف وزراء “القوات اللبنانية” في وجه عدم تحقيقها.
قد يكون من المبكر الحكم على ما ستقدم عليه حكومة دياب وكيف سيكون أداؤها أمام الإستحقاقات الكبيرة، وقد يكون أولها إرضاء الشارع المنتفض وإقناع المجتمع الدولي بما يمكن أن تحققه من إنجازات على صعيد الإصلاحات المطلوبة.