الّا انّ الواضح، هو انّ طبع الرجلين تغلّب على التطبّع، وبالتالي فإنّ علاقتهما خلال النصف الاول من الولاية البرتقالية بقيت محكومة بالهواجس المتبادلة وأزمة الثقة، مع انفراجات عابرة وقليلة، تندرج في إطار الاستثناء الذي يثبت القاعدة وليس العكس.
ولعلّ جنبلاط شعر أنّ الفرصة اصبحت مؤاتية بعد انتفاضة 17 تشرين الاول وتفاقم الأزمة الاقتصادية والمالية، للانقصاض على العهد، والدعوة الى رحيله، بمعزل عن إمكانية تحقيق ذلك.
يعرف جنبلاط أنّ استقالة عون غير ممكنة، اذ انّه صاحب شخصية عنيدة وصعبة المراس، وجزء وازن من الجمهور المسيحي لا يزال معه، وبكركي ليست في وارد القبول بدفع الرئيس الماروني الى الرحيل قبل انتهاء ولايته، وحتى “القوات اللبنانية” لا تستطيع ان تغطي مثل هذه المغامرة فكيف بالمشاركة فيها، ثم انّ الحليف الاستراتيجي والقوي لعون والمتمثل في “حزب الله” لن يقبل ولن يسمح بإجبار رئيس الجمهورية على ان يتزحزح، ولو سنتيمتراً واحداً، من مكانه.
ولأنّ جنبلاط يدرك جيداً كل هذه الاعتبارات والتعقيدات، فالأرجح انّ موقفه لا يتجاوز حدود المشاغبة السياسية ورفع معدلات الضغط على عون وتياره، منتقياً لهذا التصعيد لحظة يفترض انّهما الأضعف فيها، ربطاً بتداعيات 17 تشرين وترنّح البلد على حافة الانهيار الاقتصادي والمالي الشامل.
بهذا المعنى، فإنّ ما طرحه جنبلاط يبدو أقرب الى “فشة خلق” منه الى الرصاصة الاولى في معركة سياسية منظمة. وما يعزّز هذا الانطباع، هو انّ رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي نفسه، اقرّ بأنّه لا يستطيع أن يأخذ على عاتقه وحده أو أن يتحمّل منفرداً مسؤولية الدعوة الى إسقاط عون، علماً انّ لديه من الأسباب ما يكفي في رأيه للحكم على فشل تجربة العهد وانتفاء اي جدوى من استمراره.
في المقابل، يملك قصر بعبدا مقاربة مختلفة كلياً للدوافع التي تقف خلف التصعيد المستجد في نبرة جنبلاط، وصولاً الى طرح مسألة استقالة عون في التداول.
وتلفت الشخصية اللصيقة بعون، الى “انّ من العوامل التي أغضبت جنبلاط ايضاً، أنّ قضية حادثة البساتين لا تزال موضع متابعة حثيثة لدى المحكمة العسكرية التي تواصل الاستدعاءات الضرورية وتستعد لإصدار القرار الاتهامي قريباً، مع الإبقاء لاحقاً على احتمال النظر في ملاءمة احالة القضية الى المجلس العدلي، تبعاً لما كان قد تمّ الاتفاق عليه سابقاً”.
وتقول الشخصية المحيطة بعون، انّ جنبلاط التقى خلال مناسبة اجتماعية النائب طلال ارسلان وحاول ان يقنعه بإيجاد تسوية مشتركة لحادثتي البساتين والشويفات، وبالتالي اقفال ملفيهما معاً، على قاعدة تبادل التنازلات واجراء نوع من مصالحة اهلية، لكن ارسلان رفض هذا الطرح وابلغ إليه انّ الامر “مش بإيدي”.