“الهيركات” واقع لا محالة

دياب ممتعض من المصارف... وحكومته تعاني "ثلاث عللٍ"

4 مارس 2020
“الهيركات” واقع لا محالة
غادة حلاوي
غادة حلاوي

“بكل صراحة، لم تعد هذه الدولة قادرة على حماية اللبنانيين وتأمين الحياة الكريمة لهم”… كلام افتتح به رئيس الحكومة حسان دياب “مسار مصارحة” ليقول من خلاله إنه “تسلّم أرضاً محروقة”، وليمهّد الطريق أمام “قرار مفصلي حساس ودقيق”.

فاض صبر رئيس الحكومة من خلافات الحلفاء، ومن انتقادات الخصوم وليس حاكم مصرف لبنان بعيداً من الرسائل التي ضمّنها حديثه أمس الأول، وسط معلومات تتحدث عن رفض رياض سلامة تسليم الحكومة الأرقام الحقيقية والدقيقة للتحويلات المالية وميزانية المصارف، وغيرها من الأرقام التي تكشف حجم ميزانية الدولة وخسائرها.

وكان قرار المصارف ببيع دينها للخارج خطوة وضعت الحكومة أمام وضع صعب. “قبل أن تبيع المصارف دينها للخارج كان يمكن التفاوض على الجدولة مع الجهات الدائنة، لكن طالما أنها باعتها قبل ثلاثة أسابيع فقد خسر لبنان فرصة التفاوض وبالتالي لم يعد بمقدور لبنان الدفع، وإذا ما قرر عدم الدفع فعلاً فهذا إجراء له تبعاته وسيؤدي حكماً إلى التعثر. وبالتالي فإن خطة الحكومة ستكون مجموعة اجراءات لتنظيم التعثر”.

وعلى هذا الأساس تكشف مصادر مطلعة على أجواء السراي الحكومي أن من بين هذه الاجراءات إعتماد “الهيركات” للودائع التي تبلغ المليون دولار وما فوق، على أن تتحدد نسبة الاقتطاع في ما بعد. وهذا ما قصده رئيس الحكومة بالإجراءات القاسية. بينما تنقل مصادر غير بعيدة أنّ “الهيركات سيكون بمثابة إجراء لجأت إليه الكثير من الدول، وقد بات أمراً واقعاً” في لبنان. وفي تبرير هذه الخطوة أنّ “التعثر في السداد يخفّض تصنيف لبنان ويعرضه لدعاوى ويتراجع سعر اليوروبوند” .

وتضيف المصادر: “الأمور ليست إيجابية وهناك كارثة في مالية الدولة لذا ارتأى رئيس الحكومة أن يصارح الناس، لأنه يعتبر أنّ البلد داخل على الانهيار حُكماً وقد جرّبت الحكومة عدة خيارات لكنها لم تكن مناسبة، لذا فإن “الهيركات” واحد من الحلول المطروحة”، من دون أن تجزم المصادر اللجوء إليه بعد، لا سيما وأنه إجراء يلزمه تشريعات وقوانين وقد يواجه بمعارضة شرسة، لكنه في نهاية المطاف قد يكون الشرّ الذي لا بد منه على قاعدة “إشراك الطبقة الغنية في الحل”.

يشكو دياب “عدم التوصّل إلى خلاصات مفيدة للخروج من الأزمة رغم كل ورش العمل واللقاءات والاجتماعات المتتالية في السراي، فيما المصارف لا تبدي تعاوناً وقد باع بعضها في الأسابيع الثلاثة الماضية دينه للخارج، وهذا يعني أنّ لبنان كان يدفع 60 بالمئة من دينه للداخل و40 بالمئة للخارج فصار محكوماً الآن بالسداد للخارج، ولذا فإذا دفع مصيبة وإذا لم يدفع فالمصيبة أكبر”. ولذلك يعتبر رئيس الحكومة أن “الضربة القاضية جاءته من المصارف، بحيث كان بإمكان التعثر أن يكون منظماً لولا أنها باعت سنداتها للخارج، وصرنا أمام تعثر غير منظم له تبعات منها تخفيض تصنيف لبنان وما إلى ذلك من تأثير سلبي على العلاقة مع الدول في الخارج”.

لكن ورغم كل ما قاله، لم يفقد دياب شرف المحاولة أو المغامرة، وإذا كان بمثابة المطوّق خليجياً فإن هذا لن يمنعه من التحرك، إذ تكشف المصادر أن دياب “سيتحرك باتجاه بعض دول الخليج طلباً للمساعدة، خصوصاً أن الكويت أبدت استعدادها للمساعدة كما قطر وسلطنة عمان وفرنسا، فضلاً عن محاولة التفاوض مع الدول المانحة”.

وعلى الضفة السياسية، بالرغم من إبداء تقديرها للصعوبات التي تعتري عمل الحكومة غير أن مصادر القوى الأساسية المشاركة في الحكومة لم ترَ مبرراً لكلام رئيسها. يأخذ هؤلاء على دياب عدم قدرته على اتخاذ القرارات اللازمة، ما أعطى الانطباع عن أن الحكومة الحالية تعاني من ثلاث عللٍ:

أولها، أنها حكومة غير منتجة…. “لجان وخطط والنتيجة غياب الفعالية. تتكل الحكومة على أن لا بديل عنها وانها تحظى بغطاء من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ومن القوى السياسية الوازنة وعلى دعم فرنسي، لكن من دون رؤية ولا مشروع والأهم نقص الخبرة والكفاءة لدى الوزراء وعدم القدرة على اتخاذ القرار”.

ووفق المصادر “كان يفترض أن هذه الحكومة لديها القدرة على التمايز عن حكومة الرئيس نجيب ميقاتي التي جاء أداؤها استمراراً للحريرية السياسية، إذ إنّ الإيجابية المحسوبة لديناميكية رئيسها لا تلغي المآخذ عليها حتى ممن ساهموا في تشكيلها، بأنها لم تتخذ قراراً نهائياً بموضوع الودائع بعد، فيما الرعب لا يزال موجوداً في نفوس الناس والثقة بالمصارف انعدمت”.

والعلة الثانية هي موضوع الكهرباء… “فعندما تحدث الفرنسيون قالوا إن هناك بين 5 إلى 7 مليارات دولار لدعم الاقتصاد، لكن يجب أن يخطو لبنان خطوة باتجاه إصلاح ملف الكهرباء ما بين الخصخصة النهائية أو الغاز القطري”.

وثالث العلل تكمن في “الضياع الكامل والاشتباك المكتوم الحاصل بين رئيس الحكومة وبين التيار الوطني الحر، وبين التيار ورئيس مجلس النواب نبيه بري، هذا فضلاً عن التعثر في العلاقة بين الرئيسين ميشال عون ونبيه بري. كلها ارتدادات ترخي بظلالها على عمل الحكومة في ظل ظروف عادية فكيف إذا كانت تعمل وسط الانهيار المالي”.

بين خبايا سطور ما قاله رئيس الحكومة تتضح الخلافات بين مكونات الحكومة والتباعد في ما بينها حول الكثير من الملفات من الكهرباء إلى النفط، ناهيك عن انعدام الرؤية الموحدة والخلاف على تسديد اليوروبوندز. باختصار، المطلوب وزراء يقررون في ملفاتهم لا وزراء يديرهم آخرون ويضطرون إلى مراجعة هذا وذاك في كل كبيرة وصغيرة.

المصدر نداء الوطن