“حزب الله” في إدلب: الحرب “من أول وجديد”

حزب الله في سراقب

5 مارس 2020
“حزب الله” في إدلب: الحرب “من أول وجديد”
beirut news
نجم الهاشم
بعد سبعة أعوام على خوض “حزب الله” معركة القصير في القلمون السوري، وجد نفسه في غمار معركة جديدة في محافظة إدلب دفع فيها ثمناً باهظاً جديداً لم يكن يتوقعه. قبل معركة القصير كان “الحزب” يبرر لانخراطه في الحرب السورية المندلعة منذ 15 آذار 2011، من دون أدنى توقع بأنها ستطول كل هذا الوقت. قبل معارك إدلب كان أعطى انطباعاً خاصاً بأنه حقق النصر وبأن الحرب انتهت.

بين معركة القصير ومعارك سراقب وكفرنبل ومعرة النعمان وغيرها من ساحات المواجهات الأخيرة في أدلب، تبدّلت القواعد العسكرية التي أحاطت بطريقة عمل “حزب الله” والنظام السوري على الأرض. ولذلك كان عدد القتلى والإصابات التي مني به “الحزب” في الأيام الأخيرة أكبر من حساباته.

عندما دخل “الحزب” في معركة القصير في العام 2013 كانت الفصائل المعارضة السورية تحكم سيطرتها على مناطق كثيرة في سوريا وتهدد مصير النظام. في البداية برّر “الحزب” تدخله بأنه يساعد في حماية مقام السيدة زينب في دمشق، ثم طوّر هذا التبرير ليقول إنه يحمي اللبنانيين الشيعة في البلدات السورية على الحدود اللبنانية. يوماً بعد آخر بدأت تظهر خطورة الحرب التي زج نفسه فيها، عندما أيقن أن النظام السوري لوحده لا شك ساقط من دون مساعدة، وبطبيعة الحال كان عليه أن يقوم بهذه المهمة طالما أن النظام في إيران لم تكن لديه بعد أدوات التدخل على الأرض غير “حزب الله”.

دروس معركة القصير

عندما سيطرت قوى المعارضة السورية على المناطق المتاخمة للحدود اللبنانية أيقن “الحزب” أنه خاسر بخسارة النظام، وبأن عليه أن يقاتل داخل سوريا قبل أن يضطر للدفاع عن نفسه في بعلبك والهرمل. ولذلك قاتل بقوة مستميتة في معركة القصير وتكبد خسارة نحو مئة قتيل، في معارك ظهر له من خلالها أن بعض الذين دربهم في حركة حماس والجهاد الإسلامي ربما كانوا يقاتلونه فيها. منذ ذلك التاريخ أصبحت القصير قاعدة عسكرية لـ”الحزب” بحيث اضطر بعدها، إلى المشاركة في معظم المعارك من حلب إلى درعا وما كان تبقى من القلمون السوري. كان “الحزب” ليتقبل تلك الخسائر الكبيرة نظراً لأنه لم يكن قد أعد قواته بعد لخوض معارك من هذا النوع، ولكن ما ساعده أيضاً أن الجماعات التي كان يقاتلها لم تكن مجهزة بسلاح متطور، ولا خاضعة لتدريبات عسكرية نظامية وكانت تتحرك كمجموعات مفككة ولا تتمتع أبداً بأي غطاء جوي، الأمر الذي كانت طائرات النظام الحربية لا تزال توفره لـ”الحزب”. تجربة معركة القصير استفاد منها “الحزب” ليطوّر قدراته القتالية بالعديد والعتاد والمسلحين، وهذا الأمر ساعده في التقليل من خسائره في المعارك التالية، وخصوصاً في معركة استكمال السيطرة على القلمون الشرقي والغربي قبل أن يتولى الجيش اللبناني عملية تحرير جرود القاع وراس بعلبك في آب 2017، ومحاصرة ما تبقى من مسلحين من تنظيم “داعش” تمّ نقلهم بتدخل من “حزب الله” والنظام السوري إلى إدلب بواسطة الباصات المكيّفة.

من الزبداني إلى الفوعة وكفريا

في تموز 2015 خاض “حزب الله” معركة الزبداني التي دفع فيها أيضاً خسائر كبيرة وكانت ضرورية بالنسبة إليه وللنظام، من أجل منع خط التواصل بين القلمون والجبهة الشرقية، حيث كانت التنظيمات المعارضة قد تمكنت في تلك المرحلة من الوصول إلى مناطق قريبة من طريق المصنع وكادت تتصل مع القلمون. وحده التدخل الروسي في الحرب في أيلول 2015 نجح في إنقاذ النظام وإيران من الإنهيار في سوريا، بعدما زار اللواء قاسم سليماني موسكو وطلب التدخل الروسي.

منذ العام 2917 وتحديداً بعد معارك حلب والقلمون، روّج “حزب الله” والنظام لمقولة النصر الكبير الذي كان يعني منع سقوط النظام في الدرجة الأولى. بينما كانت المعارك تنحصر في المناطق التي يسيطر عليها الأكراد في الشمال الشرقي. وفي التدخل التركي في الحرب أجرى “الحزب” والنظام في تموز 2018 عملية إجلاء كبيرة لسكان ومسلحي بلدتي كفريا والفوعة الشيعيتين في إدلب، مقابل الإفراج عن نحو 1500 من معتقلي التنظيمات المعارضة لدى “الحزب” والنظام. كانت تلك العملية على سبيل ترتيب الوضع على الأرض لتبقى منطقة إدلب وحدها بيد التنظيمات الأصولية، بانتظار الحل الأخير بعد الإتفاقات التي تمّ التوصل إليها بين تركيا وروسيا وإيران.

ربما أراد “حزب الله” من خلال مشاركته الكبيرة في معارك إدلب فتح طريق العودة إلى الفوعة وكفريا اللتين لا تبعدان كثيرا عن منطقة سراقب. صحيح أن الهدف المعلن كان فتح طريقي حلب ـ دمشق وحلب ـ اللاذقية، ولكن هذا الأمر لا يخفي الهدف الآخر للمعركة. ولكن ما ظهر من خلال مسار القتال كشف بعض ما يخفى من واقع القوة، التي يفتقد إليها النظام و”حزب الله” والتنظيمات الشيعية التي تزجّها إيران في الحرب.

لماذا غاب الروس؟

على رغم مرور أكثر من عامين على التهدئة العسكرية عملياً ظهر أن جيش النظام السوري لم يتمكن من إعادة بناء قدراته العسكرية، وهو لا يمتلك أي قوة كبيرة للهجوم ولذلك كان يحتاج إلى الدعم الكبير من “حزب الله” وإيران. إضافة إلى ذلك أظهرت هذه المعركة المحدودة في سراقب ومحيطها أن هذه القوى لا تتمتع بالتفوق العسكري من دون الغطاء الجوي الروسي. وهذا ما ظهر في المعركة بحسب تسجيلات مقاتلي “حزب الله” الذين شاركوا فيها وقُتل عدد منهم، وحمّلوا المسؤولية لعدم التدخل الجوي الروسي ولفرار جيش النظام من المعركة وتركهم لوحدهم، الأمر الذي أدى بـ”الحزب” إلى زج مجموعات إضافية. وقد تمكنت الجماعات الأصولية بدعم كبير من الأتراك من تحقيق تقدم على الأرض واسترجاع عدد من المناطق، التي كانت خسرتها قبل أن يعود التدخل الروسي لتصحيح الوضع وإعادة السيطرة على سراقب. وقد ظهر وكأن العملية كلها كانت بالتفاهم بين الروس والأتراك، بدليل أن الروس أعلنوا أن قوات الشرطة العسكرية التابعة لهم هي التي انتشرت في المدينة لتأمين طريق حلب دمشق.

ربما كان الموقف الروسي بعدم التدخل في المعركة ثم بالتدخل رسالة إلى النظام السوري وإيران، من أجل التنازل أكثر في ما خص التوصل إلى الحل النهائي في سوريا، وإيجاد النظام الجديد وعودة اللجنة الدستورية إلى العمل. ذلك أن معركة الحسم في إدلب دونها عقبات كثيرة وهي لا يمكن أن تتم عسكرياً، نظراً لكلفتها ولتداعياتها الإنسانية ولأنه يمكن أن تكون نهايتها من خلال التوصل إلى الإتفاق النهائي بين الروس والأتراك.

لقد أظهرت هذه المعارك أن لا نصر نهائياً بعد في سوريا وأن “حزب الله” وجد نفسه في بداية معركة جديدة وكأن الحرب عادت لتبدأ من جديد، وكأنه لا يكفيه ما تكبده من خسائر في تلك الحرب التي بدأت قبل تسعة أعوام ولا يعرف متى ستنتهي. تماماً مثل الحرب ضد فيروس الكورونا التي يدفع “حزب الله” ثمنها أيضاً بحكم انتقالها من إيران إلى لبنان، في وقت كان الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله يدعو الحكومة في لبنان إلى الإستفادة من الدعم الذي يمكن أن تقدمه إيران، وإلى الإستعانة بالصين ومقاطعة المنتوجات الأميركية. كان “الحزب” بعد العقوبات الأميركية المفروضة عليه وعلى إيران قد بدأ يخفف وجوده العسكري في سوريا، ولكن يبدو أنه لن يستطيع الإنسحاب من أرض المعركة.

المصدر نداء الوطن