بطلة من كوماندوس مستشفى الحريري: رشا لم تحضن ابنتها منذ شهر

21 مارس 2020
بطلة من كوماندوس مستشفى الحريري: رشا لم تحضن ابنتها منذ شهر
نسرين مرعب

“بحبهم كتير، وان شاء الله بتكون موجة وبتمرق، لحتّى أغمرهم وبوسهم، ولحتى حط بنتي بحضني. ولإخواتي ولولادهم كتير كتير بحبكم”، بهذه الكلمات تبدأ حديثها رشا القاسم، الممرّضة في مستشفى رفيق الحريري الحكومي. هي التي تمضي عيد الأم، لأوّل مرّة، بعيداً عن والدتها وطفلتها.

رشا شابة ثلاثينية، أم لطفلة عمرها 7 أعوام، وابنة لوالدين يبلغان من العمر 62 عاماً و 74 عاماً. لم تلتقِ طفلتها أو عائلتها منذ بدأت رحلتها مع الكورونا في مستشفى رفيق الحريري: “أفضل أن أبقى بعيدة عنهم، لا أريد أن أسبّب لهم أيّ أذى يشعرني بالذنب، لذلك أفضل ألا يحصل أيّ احتكاك، وأن نتواصل بالاتصال أو بالفيديو”.

منذ 21 شباط الفائت، أي منذ شهر كامل، بأيّامه ولياليه، يوم الإعلان عن أوّل حالة كورونا في لبنان، ورشا محرومة من حضن الأم، وحضن نور، طفلتها. فالمواجهة مع الفيروس بدأت من الطابق الثالث القسم 3500 في المستشفى، القسم الذي تعمل فيه منذ 3 سنوات، ما جعلها تنخرط فوراً بهذه المعركة دون أيّ تردد.

“مرض الكورونا لا يرحم أحداً”، تقول رشا لـ”أساس”، مضيفة: “كنت متواجدة عند فحص إحدى الحالات، وعندما علمت الحالة أنّ النتيجة إيجابية بدأت تبكي وهي تمسك بالقرآن وتعانقه. فبدأتُ البكاء معها وتمنيتُ لو استطعت أن أعانقها وأخفّف عنها. هذه الحالة أثرت بي كثيراً وحاولت أن أقدم لها الدعم النفسي والمعنوي”.

تتابع رشا: “نتعامل بحب مع الحالات التي يتم وضعها في الحجر، نحادثهم ونسايرهم. وحتّى لو فقد المرضى أعصابهم وانفعلوا علينا في لحظة ما، أتفهّمهم، فوضعهم النفسي ليس سهلاً”.

تعبّر رشا عن الغصّة التي تشعر بها لقضاء عيد الأم بعيدة عن أحبائها. فهي من عائلة تتألف من 5 بنات يجتمعن دائماً هنّ وأزوجاهنّ وأولادهنّ في هذه المناسبة: “أشعر بالحزن، ولكن ماذا أفعل؟ العالم كلّه محاصر ومعزول ويشعر بالخوف. سأعايد والدتي على الهاتف وكذلك ابنتي. هذه المرة الأولى التي لن نجتمع. لكنّ هذا الأمر لأجل سلامة أمي والجميع”.

لم تقوَ رشا خلال الحديث عن والدتها وطفلتها على مقاومة الدموع، وعلى الرغم من محاولتها مراراً الابتسام كي تداري الدموع، إلا أنّ العاطفة دائماً تنتصر، فبكت، وأبكتنا معها.

في مستشفى رفيق الحريري الجميع عائلة واحدة، وفي الطابق حيث تعمل رشا، أفراد الطاقم الطبي يعرفون بعضهم البعض منذ سنوات عدّة، وبالتالي لم يتغيّر عليهم أيّ شيء: “أوقات منضحك، أوقات منفشّ خلقنا ببعضنا.. بس بالأخير كلنا منتحمّل بعض ومنحبّ بعض”.

رشا اليوم، دون أن تدري، ستكون ملهمةً، مثل غيرها من الذين نذروا حيواتهم وأمان عائلاتهم، ووافقوا على البقاء في عين الخطر والعاصفة، على خطّ الدفاع الأوّل عن البشرية، في مواجهة “عدوّها” الأوّل، بحسب منظمة الصحّة العالمية، فيروس كورونا، وذلك من أجل إنقاذ الآخرين. وغداً، ستحمل إلى ابنتها قصّة أمّ حديدية، ساهمت في إنقاذ المئات، وربما الآلاف، بينهنّ أمّهات، ستعيدهنّ رشا إلى أطفالهنّ.

في عيد الأم، التقطت رشا وزملاؤها صورة جماعية، حملوا فيها ورقة بيضاء كتبوا عليها معايدة بمناسبة عيد الأم. هي محاولة من أبطال حجروا على أنفسهم طوعاً لمعالجة غيرهم، فوجدوا في صورة وورقة متنفساً لكسر الروتين وتبادل المشاعر الجميلة في هذه المناسبة.

المصدر أساس