الحكومة تستعير صفة “المندسّين” من الديكتاتورية..

30 أبريل 2020
الحكومة تستعير صفة “المندسّين” من الديكتاتورية..
خالد البوّاب

فشلت الحكومة في إقرار رزمة التدابير التي أعدّتها وزيرة العدل ماري كلود نجم، والتي تحمل عنوان مكافحة الفساد. لدى مناقشة الورقة على طاولة مجلس الوزراء، اعترض وزراء على طريقة طرح الملفات والمواضيع على طاولة الحكومة. وحفاظاً على ماء الوجه، تمّ إقرار بندين من الخطة، فيما رحّلت البنود الأخرى إلى جلسة لاحقة، وهذا بحدّ ذاته تراجع، يضاف إلى التراجع الذي برز في موقف وزيرة العدل خلال الجلسة.

وهي قد خرجت لأكثر من مرّة من الجلسة لإجراء مشاورات مع الهيئة الاستشارية الرئاسية المؤلّفة من شخص واحد وعادت إليها. لتعترف أنّ التدابير تتعارض مع القانون، وأنّها غير قانونية، لكنها اعتبرت أنّه لا بدّ من اتخاذها.

يجتمع في الحكومة مجموعة جوامح. بعضهم من فيه عشق للصورة، والظهور بمظهر القائد الملهم، والمخلص، ولو اقتضى ذلك أن يتحوّل إلى “كاميكاز” قد ينتحر في النهاية.

وبعضهم الآخر، فيه توق لتحقيق شعبوية مخلّصية، فيلجأ إلى تقديم طروحات، لا يمكن لمجلس وزراء أن يتّخذ قراراتها.

تنتقل الحكومة ما بين حالة ترهّل إلى أخرى، تنعكس على الأداء العام لوزرائها مجتمعين، وتنعكس في صراعات متوالية بين مكوّناتها وهم حلفاء ومن أبناء الصف الواحد.

بعد موقف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ظهر أنّ الحكومة كانت في حالة افتراق عن الواقع، أو أنّها تسعى للإطاحة بكلّ القوانين.

من حمّس رئيس الحكومة إلى إطلاق موقفه العنيف ضد سلامة، عاد وتراجع ليبقى رئيس الحكومة في فُوّهة المدفع، بقي وحيداً، ولم يسلم من انتقاد سلامة، وتصويبه حول صلاحيات مصرف لبنان التي لا يمكن المساس بها.

ذهب سلامة إلى حدّ الكشف عن الكشوفات التي قدّمها لرئيس الحكومة الذي ادّعى قبل أيام أنه لم يطّلع من مصرف لبنان على أيّ أرقام أو تقديرات.


لن تتوقف الحكومة ومن يقف خلفها عن مغامراتهم، وإن تراجعوا عن معركة، فسيلجأون إلى فتح معارك أخرى


محمّسو حسان دياب تراجعوا، وذهبوا إلى إبرام تسويات واتفاقات مع رياض سلامة.

بينما هو أظهر حكومته في موقع المتراجع، كما كان وضعها من قبل بخصوص الهيركات، الكابيتال كونترول، وغيرهما، وصولاً إلى إيجاد صيغة للتراجع عن ورقة التدابير لمكافحة الفساد… في ظلّ رفض عارم لتحويل الحكومة إلى مجرّد مخفر، يتصارع عناصره على التخابر وكتابة التقارير.

زرعت الحكومة في طريقها كمّاً هائلاً من الألغام. كبّلت نفسها بنفسها، وأنّى توجّهت، ستكون أمام انفجار لغم بوجهها. كانفجار الشارع الآخذ بالتوسّع، والذي لا يبدو أنه قابل للضبط بعد، فيما فتائل إشعاله خرجت من بين فكّي رئيس الحكومة، عندما شنّ هجوماً على حاكم مصرف لبنان، سعياً منه لئلا تتحوّل حكومته إلى كبش محرقة، بتجيير المسؤولية إلى المصرف المركزي والمصارف، علماً أنّ الشارع المتفلّت، لن تحكمه أيّ ضوابط، ولن ينجح أحد بلجمه أو حصر توجيهه نحو القطاع المصرفي فقط.

لن تتوقف الحكومة ومن يقف خلفها عن مغامراتهم، وإن تراجعوا عن معركة، فسيلجأون إلى فتح معارك أخرى. استخدام مصطلح النظام السوري بوصف المتظاهرين بـ”المندسّين”، واستعادة التجربة اللحودية في الأمن والقضاء، باتخاذ تدابير غير قانونية تحكّم الأمنيين برقاب العباد ومسار المؤسسات والنواب المنتخبين والوزراء، قد تتطوّر أكثر إلى استخدام ممارسات مشابهة لممارسة النظام السوري في تخريب التظاهرات وتحميلها مسؤولية عدم تحقيق أيّ إنجاز، سوى تكريس المزيد من الانقسام والعنف، ولتبرير القمع الذي أعادت الحكومة إنتاجه بنفسها.

المصدر أساس