متى يعتذر حزب الله من بيروت؟

7 أيار هو ذاك الخنجر المسموم المغروز في خاصرتنا وخاصرة بيروت

8 مايو 2020
متى يعتذر حزب الله من بيروت؟
قاسم يوسف
قاسم يوسف

اختبرت بيروت كل شيء. جاءها العشاق من أقاصي الدنيا يبحثون في حناياها عن ذواتهم. وجاءها الهارب والمظلوم والمثلوم والشجاع.

وجدوا ملاذهم في حضنها. ووجدت سحرها في طمأنينتهم وإنصافهم وراحة بالهم.

لم تشبع بيروت يومًا من الناس، ظلت حضنهم وموئلهم وصوتهم الذي لا يغيب، وظلوا أهلها وروادها وحدائقها التي تنشر عبيرها أينما حطت بها الرحال.

عرفت بيروت أيضًا وجوه المكابرين والمتجاسرين وأنصاف الرجال.

شرّعت أمامهم أبواب التوبة والغفران.

حدقت مرارًا في عيونهم. ترفعّت عن أذيتهم.

تركتهم يعبثون بسكينتها وسكونها. لكنها كعادتها لا تنام على ضيم، بل تثأر لكرامتها وكرامة أهلها، ويا ويلهم إذا نفذ صبر بيروت.

كثيرون هم أولئك الذين ظلموها وصبوا عليها جام غضبهم، من ارييل شارون إلى حافظ الأسد، ظنوا أنها لقمة سائغة وعاصمة طرية، ليعودوا ويدركوا أنها أكبر من جبروتهم، وأمضى من أسلحتهم، وأعمق من قدرتهم على محوها أو اجتثاثها.

صارت بيروت بعدذاك درسًا يُدرّس في المدارس وفي الجامعات. عن تلك المدينة الوادعة التي ما برحت تواجه بعيونها كل مخارز العالم.

لكن ثمة من ظن لبرهة أنه انتصر عليها بعد أن اجتاح شوارعها وروّع أهلها، في مشهدية فظيعة ستظل محفورة لعقود طويلة في ذاكرة الأجيال، وهي المشهدية التي أسست فعليًا لرفع اللثام عن الوجوه الحقيقية التي توارت خلف اسم المقاومة لتنفيذ مآربها ومشروعها في اخضاع عواصم وحواضر العرب، وقد بدت بيروت حينذاك حزينة ومثلومة، ليس لكونها ضحية تُكابد الظلم والتجاسر، بل لأنها طُعنت بالخنجر نفسه الذي طالما منحته الرعاية والحماية والشرعية، ليكون مسلولاً في يدها، لا مزروعًا في خاصرتها.


خسر حزب الله كثيرًا في مواجهة بيروت. صار عاريًا ومكشوفًا ولا يؤتمن له جانب


7 أيار هو ذاك الخنجر المسموم المغروز في خاصرتنا وخاصرة بيروت، وهو ليلنا الذي يأبى أن ينجلي، وهو قلقنا المستدام الذي فتح عيوننا على الحقيقة المجردة وعلى الأسئلة التي لا تنتهي: أي بلد هو ذاك الذي لا بد أن نتقاسمه مع حزب الله؟ وأي سكينة هي تلك التي سننعم بها في ظل منظومة أمنية وعسكرية لن تتورع عن اجتياح بيوتنا كلما ارتأت أن مهمة السلاح محصورة بحماية السلاح؟

خسر حزب الله كثيرًا في مواجهة بيروت. صار عاريًا ومكشوفًا ولا يؤتمن له جانب. كانت جماهريته القصوى قد امتدت من تخوم الناقورة إلى أقاصي بلاد العرب والمسلمين، وكان حضوره في وجدانهم قويًا وراسخًا ومصدرًا للتفاخر والاعتزاز. لكن بيروت هذه لا تنام على ضيم، هي تصبر وتحتسب، قبل أن تعود وتصفع بكل يدها.

اليوم، وفي الذكرى الثانية عشر على الغزوة الرهيبة، لا تزال المؤشرات البيانية لحزب الله في حالة اتدحرج، وكأن الواقعة شكلت نقطة الفصل المبين بين مرحلتين متناقضتين، تجسدت الأولى في حالة الصعود المستمر نحو ملامسة القمة، فيما رسخّت الثانية حتمية السقوط المتسارع وصولاً إلى الدرك، وهنا تمامًا بدأ مسار التحوّل الكبير في هوية حزب الله، بين اعتباره اختصارًا لمقاومة باسلة ومحقة وشجاعة، وبين تصنيفه كأداة للتخريب والسيطرة وتمزيق المجتمعات.

بعد أحداث السابع من أيار من العام نفسه، كتب نهاد المشنوق متسائلاً: من يعتذر لبيروت؟ وإلى الأن لا جواب على سؤاله. والحقيقة أن ثمة اعتذارين في ذمة حزب الله لبيروت وأهلها ومعهم كل اللبنانيين. الأول عن جريمته الموصوفة بحق عاصمة المقاومة ونبراسها وضلعها الأصلب، والثاني عن اعتباره 7 أيار يومًا مجيدًا من تاريخ لبنان، وهو لا شك وصمة عار سيدفع ثمنها غاليًا في نهاية المطاف مهما طال الزمن.

المصدر أساس