ماذا سمع نصرالله من رياشي عن الفيدرالية؟

30 مايو 2020
ماذا سمع نصرالله من رياشي عن الفيدرالية؟
خالد البواب

في 6 أيار 2020، كتب الصحافي سركيس نعوم مقالاً يطرح تساؤلاً حول حقيقة عقد لقاء بين الأمين العام للفيدرالية وبين حزب الله.

والمقصود بين الأمين العام لـ”المؤتمر الدائم للفيدرالية” ألفرد رياشي، الذي برز نشاطه على الساحة اللبنانية في الآونة الأخيرة.

أن يكتب صحافي بحجم سركيس نعوم في هذا الموضوع، لا يمكن إلا التوقّف عنده باهتمام.

بعد التمحيص تفيد المعلومات بأن رياشي التقى قيادات من حزب الله أكثر من مرة، وعقد معهم مشاورات حول ملفات عديدة.

طبعاً لم يحصل على تأييد الحزب لمشروع الفيدرالية، إلا ان النقاش مفتوح، والمعلومات تؤكد بأنّه التقى الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله، وبحث معه في الموضوع مطوّلاً.

إغواء حزب الله بالفيدرالية يبدأ في أنّه يسيطر على بقعة جغرافية كبيرة تتوافر فيها مقوّمات الإدارة الذاتية، بكتلة بشرية هائلة متماسكة حوله، وبأنّه بمتلك ما يلزم من أموال وسلاح ومنظومة أمنية واجتماعية، إلى جانب سيطرته على منطقتين استراتيجيتين، هما الحدود اللبنانية – السورية، والحدود اللبنانية – الإسرائيلية.

لكنّها تبرّر للآخرين الشروع في إنجاز مقوّمات ما يحتاجونه في بيئاتهم ومناطقهم لإنشاء “كانتوناتهم”.

وبالتالي لن يستطيع حزب الله السيطرة على لبنان كلّه، في ظلّ الضغوط والعقوبات الأميركية على إيران وعليه، بالإضافة إلى تعقيدات الواقع اللبناني.

سيشهد لبنان في المرحلة المقبلة نقاشات كثيرة حول “الفيدرالية” وغيرها، خصوصاً في حالة الفوضى السياسية القائمة، التي تغوي كثيرين بطرح أفكار كثيرة، فيما دول الجوار في حالة انهيار وتحوّلات كبرى.

لكن الأكيد أن أيّ فكرة من هذا النوع، غير قابلة للتحقّق في لبنان، خصوصاً إذا ما تمّ النظر إلى خريطة لبنان الفيدرالي التي وُزّعت في الأسبوع الماضي، التي لا تحتوي على صفوة “طائفية” للمناطق الفيدرالية.

فكان حزب الله يسيطر على الجنوب والبقاع الشمالي، فما هو مصير البقاعين الغربي والأوسط، وكذلك بالنسبة إلى المسيحيين في هاتين المنطقتين. كيف يمكن وصل دروز الشوف بدروز حاصبيا وراشيا؟

فتح جبران باسيل باب نقاش الصيغة اللبنانية، وانتقلنا من أسئلة حول المال والاقتصاد والانهيارات التي نعيشها، إلى التفكير بتغيير النظام من عدمه، وهل سيصمد اتفاق الطائف أم يحتاج إلى تعديل وتطوير؟ وهل يبقى لبنان موحّداً أم الحلّ بالتقسيم؟ كأنّ لا جوع ولا إفلاس ولا انهيارات مصرفية ولا خطوط فقر ترتفع إلى طبقات كانت حتّى الأمس بين الوسط والبرجوازية.

وتسرّبت الأسئلة المطروحة ليدور النقاش من حولها في مختلف الحلقات السياسية والدوائر الحزبية. فقد تقدّمت فكرة الفيدرالية على ما عداها، وتصدّرت عناوين شاشات التلفزيون والتقارير، وحظيت بحملة دعائية كحلّ للأزمة اللبنانية المديدة.

يستخدم مسوّقوها عبارة “الاتحاد” كتعريف لها، لكنّها في لبنان تأخذ بعداً تقسيمياً وليس وحدوياً.


جاهر الرئيس نبيه بري برفض الفيدرالية، ليلاقيه وليد جنبلاط في منتصف الطريق بتغريدة عنيفة جداً في مواجهة هذا المشروع والفكرة التي يتمّ التسويق لها


بدأ الأمر مع مطالبة باسيل بتطبيق “اللامركزية المالية والإدارية الموسّعة”. كان في كلامه انقلاباً صريحاً على الدستور واتفاق الطائف، الذي تحدّث عن “اللامركزية الإدارية”، لكنه لم يأتِ على ذكر “اللامركزية المالية”.

وبعبارة أوضح، تأسيس لفكرة الفيدرالية. وهي اصطلاحات تستخدم لتخويف اللبنانيين على مصير دولة يعتبرونها “درّة الشرقين”، يتمّ تقديمها على أطباق إغوائية متعدّدة.

ومن يسوّق للفكرة، يعتبرها متوهماً ناجزة في كلّ دول المنطقة، ليس بالضرورة على الورقة والقلم، ولا في النصوص والدساتير، إنما على أرض الواقع، كما هو واقع العراق بين الأكراد والشيعة والسنّة، وكما هو واقع سوريا المتحطّمة بين مناطق نفوذ متعدّدة، سنية، علوية، درزية، كردية، وأقليّات أخرى، عسكرية وأجنبية…

جاهر الرئيس نبيه بري برفض الفيدرالية، ليلاقيه وليد جنبلاط في منتصف الطريق بتغريدة عنيفة جداً في مواجهة هذا المشروع والفكرة التي يتمّ التسويق لها. وعندما يتحدّث الرجلان عن فكرة من هذا النوع، فلا بدّ أنّها قطعت شوطاً مديداً من المساجلات الداخلية قبل أن تطفو إلى العلن.

وغالباً ما يخلص أصحاب الفكرة إلى قناعة، بأنّ لبنان لا يمكن أن يُحكَم من طرف واحد مهما بلغت قوته، لذلك صراعه مستمر، ومواجهة الصراع لا بدّ أن تكون من خلال طرح الفيدرالية التي تسمح للقوى المتصارعة بأن تحكم مناطقها بكلّ ما لديها من مقوّمات.

عندما يصل النقاش إلى حدود الانتقاد العلني للفكرة من قبل بري وجنبلاط فضلاً عن “كتلة المستقبل”، الذين باتوا في مصاف حرّاس النظام والتركيبة، فإنّ موقف حزب الله لا يمكن أن يكون بعيداً عنهما.

فماذا يبقى من فكرة الفيدرالية؟ ليست المرة الأولى التي تطفو فيها أوهام على سطح الواقع في لبنان ولن تكون الأخيرة…

المصدر أساس