لبنان بلد محتلّ بطريقة أو بأخرى أو على الأقلّ كل قراراته مصادرة

نتفاجأ بعد أيام بخبر اعتصام أمام قنصلية أذربيجان في لبنان

20 يوليو 2020
لبنان بلد محتلّ بطريقة أو بأخرى أو على الأقلّ كل قراراته مصادرة
نادر فوز
نادر فوز

تحت عنوان الحياد سلام وحزب الله حرب ومشروع عسكري سياسي كتب نادر فوز في “المدن” قد لا نتفاجأ بعد أيام بخبر اعتصام أمام قنصلية أذربيجان في لبنان.

في قرة باخ، معارك وحروب واشتباكات تهدأ وتشتعل منذ مئة عام على الحدود بين الدولتين الآذرية والأرمنية. آلاف القتلى والمهجرين، وصراع يدوم ونزاع يتطوّر، كأحوال سائر الدول الناشئة عن سقوط الإمبراطوريات وتفكّكها.

لم يحصل تحرّك مماثل من أبناء الأجيال اللبنانيين من أصول أرمنية بعد. لكن هذا ممكن وغير مستبعد. فلا شيء مستبعد في لبنان بتلوينات جماعاته ومكوّناتها، وانتماءات التاريخ الحيّ الذي لا ينضب.

الأزمة واقعة
في لبنان نقاش متجدّد عن الحياد. وفتح السجال يعني أنّ الأزمة وقعت. قبل عقدين من الحرب الأهلية، حياد ونقاش ونتائج ملموسة إلى حين قرّر الخارج غير ذلك.


كان العالم يتنازع، فيتقاتل اللبنانيون في الداخل


عبارات طبعت تاريخ السجال: “قوة لبنان في ضعفة”، “لبنان ذو وجه عربي”، “يستسيغ الخير النافع من حضارة الغرب”، “بوابة الشرق والغرب”.

وهذا لم يكن إلا من عوامل التفجير أصلاً، على اعتبار أنّ الدعوة إلى الحياد موقف سياسي من صراع خارجي. فالصراع في المنطقة يعني المجموعات اللبنانية المتنوّعة، والتي والت الغرب أو الشرق.

انقلاب المعادلة
بعد العام 2005 حياد آخر. تجدّد السجال إلى حين انقلبت الطاولة فبات “الخارج” يطلب حياد لبنان. قلَب حزب الله في لبنان كل الموازين. مع السيطرة الفعلية لمشروعه، بات لبنان باحة خلفية، قاعدة.

منها انطلق الحزب إلى سوريا، ثم العراق، وصولاً إلى اليمن وغيرها. بات عنصراً فاعلاً وأساسياً من حروب المنطقة.
لم يأت الخارج إلينا بالأزمات، لا بل إن حزب الله شارك في حروب الخارج. شارك بفاعلية في حسم الحرب في سوريا، وقلب الموازين فيها، ومعها المعادلة. بات الحياد، بشكل من الأشكال، مطلباً خارجياً.

دولة حزب الله
ينصّ مبدأ الحياد، على التزام الدولة عدم التدخّل في شؤون الدول الأخرى. يمنعها من الانضمام إلى أحلاف عسكرية وإقامة قواعد حربية لطرف أجنبي واستخدام أراضي لأغراض عسكرية.


ينهيها عن تقديم المساعدة لأي طرف مشارك في الصراع


حزب الله يفعل عكس هذا كله في لبنان. هو حزب مؤسس على الحرب، والحياد سلم. والحزب جزء من محور، والحياد كسر للمحاور. حزب الله حرب ومشروع عسكري صار سياسياً عسكرياً، كأنّه نقيض التعريف والمبدأ. لبنانه جزءٌ من معاركه، بغض النظر عن رأي من فيه وإرادتهم ورغبتهم.
والحزب صادر القرار اللبناني كاملاً، منذ أيام أيار 2008. سيطر على البلد، أرضاً وأمناً. كرّس سيطرته لاحقاً في المؤسسات الدستورية، رئيساً وبرلماناً وحكومات.
أصبحت دولة حزب الله، ملحقةً بمحور الممانعة.
بات البلد عصب المحور، وحديقته الخلفية وقاعدته المتوسطية.عروض التفاوض
منذ عقود، يمتشق حزب الله السلاح. يلوّح بها في كل حين وعند كل مفترق سياسي. تنهال عليه عروض المقايضة، فلا يأبه ولا ينجرّ إلى الحوار والتفاوض مع المكوّنات الأخرى.
السلاح مقابل التحرير، السلاح مقابل السلام، السلاح مقابل الازدهار، السلاح مقابل مكتسبات الداخل، السلاح مقابل المثالثة.

واليوم السلاح مقابل فك العقوبات والحصار وكف الملاحقات. كلها عروض سقطت أو ستسقط، طالما أنّ الحزب يسيطر على البلد ويمسك بأمنه وسلمه وقراره، ولا مهرب أو مفرّ من كسر هذه المعادلة في المدى المنظور.

شعب محتلّ
سيطر الحزب على لبنان، ووجد اللبنانيون أنفسهم عالقين بين آلة القتل المستمرة في سورية على يد النظام وحلفائه وأعدائه، وآلة القتل الإسرائيلية الدائمة في فلسطين.

في الأراضي المحتلة شعب يُقتل وأراضٍ منهوبة، وفي أراضٍ أخرى محتلّة شعب مهجّر ودويلات ميليشيات. أما هنا فشعب يموت جوعاً وقهراً من إفرازات منظومته.


بلد محتلّ بطريقة أو بأخرى، أو على الأقلّ كل قراراته مصادرة


شعب بات مطلبه العيش فقط، كما مطالب سائر الشعوب المحيطة. مطلبه الخبز قبل أي شيء آخر. نسي الإصلاح والفساد والمحاصصة، يريد ما يؤكل فقط. وليس الحياد صحناً يوضع على طاولة العشاء في المساء.

المصدر المدن