وقالت مصادر سياسية واسعة الاطلاع لـ”النهار” ان الحريري اقدم على خطوة ذكية واخرج نفسه من بازار عقيم رافضا اجراء أي تسوية على شروطه من اجل رئاسة حكومة مستقلة وراميا الكرة في ملعب السلطة وافرقائها الذين يجدون انفسهم امام إشكالية استحالة تكرار تجربة حسان دياب لجهة استحضار أسماء غير مقبولة او الأخذ بالمرشح الذي يمكن ان تذكيه كتلة “المستقبل” والطائفة السنية. وتاليا فان على العهد ان يقبل بالتسمية التي سترشحها الطائفة السنية او الاستجابة لها او انه سيكون امام انكشاف كبير. وتضيف المصادر نفسها ان تسمية السفير السابق نواف سلام بعدما سارع في الأيام الأولى للاستحقاق الحكومي رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل الى تسريب تأييد ترشيحه، في اطار رفضه مع رئيس الجمهورية ترشيح الحريري وعودته الى السلطة، ستضع ترشيح سلام في مواجهة مع “حزب الله” الذي يرفضه. وهذه مشكلة سيتعين على قوى السلطة الحالية ان تجد حلا لها في ما بينها.
وأكدت صحيفة “اللواء” ان قرار الحريري يحمل في طياته أكثر من رسالة لأكثر من فريق سياسي ومنها:
1- الرسالة الأولى للتيار الوطني الحر ورئيسه، الذي ما زال، بتعبير الرئيس الحريري “في حال من الانكار الشديد لواقع لبنان واللبنانيين”..
وفي متن الرسالة اتهام هذا الفريق السياسي بأن تشكيل حكومة يراها “مجرد فرصة جديدة للابتزاز” من زاوية ان “هدفه الوحيد التمسك بمكاسب سلطوية واهية، ولاحقاً تحقيق أحلام شخصية مفترضة”، واصفاً هذا الابتزاز بأنه يشمل البلد “وفرصة الاهتمام الدولي المتجدد”.
2- الرسالة الثانية لبعبدا، حيث اكتفى الرئيس الحريري بعدم كسر الجرة مع رئيس الجمهورية، مطالباً فقط بـ”احترام الرئيس للدستور، ودعوته فوراً لاستشارات نيابية ملزمة، عملاً بالمادة 53، والإقلاع نهائياً عن بدعة التأليف قبل التكليف..”.
وبين الدعوة إلى الشروع فوراً بالاستشارات الملزمة، والإقلاع عن بدعة التأليف قبل التكليف، أبقى الرئيس الحريري الباب مفتوحاً للتعاون مع رئيس الجمهورية.
3- الرسالة الثالثة: المشاركة بالاستشارات النيابية، وخلافاً لما حصل في الاستشارات التي ادت إلى تسمية الرئيس حسان دياب، فإن كتلة المستقبل “ستسمي” من نرى فيه الكفاءة والقدرة على تولي تشكيل حكومة تضمن نجاح الفرصة الدولية.. وإعادة اعمار بيروت وتنفيذ الإصلاحات بالتعاون مع الأصدقاء في المجتمع الدولي، ومع المجلس النيابي..
وهذه الإيجابية التي تنطوي عليها هذه الرسالة، تحمل في طياتها دلالات واضحة بأن الرئيس الحريري ماضٍ بتحمل مسؤولياته لعدم إضاعة الفرصة..
4- الرسالة الرابعة، بقيت ملتبسة تجاه حزب الله، عندما ربط موقفه السياسي بتولي رئاسة الحكومة الذي أعلنه أمس بصدور حكم المحكمة الخاصة بلبنان في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري..
وفي السياق، اعتبرت مصادر سياسية بارزة موقف الرئيس سعد الحريري بانه غير مرشح لرئاسة الحكومة، هو الرد الطبيعي على اساليب التعطيل والعرقلة التي مارسها النائب جبران باسيل لابقاء عملية تشكيل الحكومة الجديدة اسيرة لطموحاته ومصالحه الشخصية التي تفوح من زواياها روائح الفساد التي اوصلت البلد الى حال الانهيار الحالي واسقطت العهد كله في دوامة الفشل والعجز عن القيام بالحد الادنى من مهماته وبسرعة قياسية،لم يبلغها عهد اي رئيس جمهورية من قبل.
واشارت المصادر الى ان استمرار محاولات التعطيل المعهودة التي مارسها باسيل طوال السنوات الماضية بتوكيل من رئيس الجمهورية وبغطاء غير معلن من حزب الله، تعيد عقارب الساعة الى الوراء وكأن كل ماحصل بالبلد من خراب وازمة سياسية واقتصادية ومالية تضغط على اللبنانيين بكل الاتجاهات لم يؤخذ بها ولا تتطلب اعادة النظر اوتصويب الاداء السياسي بالحد الادنى، وإنما ينصب الاهتمام كليا في تكريس السيطرة واعادة الإمساك بمفاصل الحكومة والسيطرة على مقدراتها دون مراعاة لاوضاع الدولة التي اوصلتها مثل هذه الممارسات الى الحضيض ورتبت تداعيات خطيرة على اوضاع اللبنانيين الاقتصادية والمعيشية. وبدلا من ان يتبدل الأداء السياسي نحو الأحسن ويأخذ بعين الاعتبار الأسباب التي اوصلت البلد إلى هذه الوضعية المتدهورة، لاسيما بعد التفجير الكارثي الذي استهدف مرفا بيروت وزاد اوضاع المواطنين بؤسا وعذابات اضافية، يتصرف وكلاء العهد برعونة وانانية تقضي على اي فرص للانقاذ او اخراج البلد من ازمته وتقطع الطريق على كل الجهود المبذولة لمساعدة لبنان على حل ازماته المتراكمة.
3 مسارات أمام التكليف
وقالت المصادر لـ”اللواء” ان الرئيس الحريري بقراره عدم الترشح لرئاسة الحكومة الجديدة، قطع الطريق على كل محاولات الابتزاز من قبل صهر رئيس الجمهورية تحديدا بالدرجة الاولى وعلى بعض الحلفاء السابقين كالقوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي الذين مارسوا سياسة التذاكي والعرقلة بأساليب مغايرة، كل لمصالحه على حساب ومصالح اللبنانيين والقى بثقل هذه المسؤولية التي تشبه كرة النار في احضانهم، وليتحملوا مسؤولية ما اوصلوا اليه البلد جراء ممارساتهم واساليبهم الملتوية في معالجة ازمة تشكيل الحكومة وماقبلها من أزمات متراكمة.
الأول، أن يرفض الحريري مُجدداً تسمية مرشّح من قبله لتأليف الحكومة، فيضطر فريق ٨ آذار – التيار الوطني الحر إلى تكرار تجربة حسان دياب، مع ما يحمِله ذِلك من مخاطِر، في ظل العمل على إنشاء جبهة سنية ترعاها دار الفتوى دفاعاً عن مقام رئاسة الحكومة في وجه ما تعتبره “مصادرة الصلاحيات ووضع اليد على الموقع السني الأول”.
وفي الغضون، لوحظ خلال الساعات الأخيرة التي سبقت إنهاء الحريري جدلية ترشيحه من عدمها، حراك مكوكي قام به المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم بين المقرات الرئاسية والسياسية والروحية على نية فكفكة العقد الحكومية، وكشفت مصادر مطلعة على هذا الحراك لـ”نداء الوطن” أنّ مهمة ابراهيم تمحورت حول شقين، الأول يتصل بمحاولة “تطويق الغضب السني” والثاني يتعلق بالسعي إلى إيجاد أرضية توافقية مشتركة تتيح التأسيس لتكليف الحريري تشكيل الحكومة الجديدة.
وأوضحت المصادر أنه “بعد تسرّب معلومات مؤكدة تفيد بأنّ رؤساء الحكومات السابقين سيعمدون تحت عباءة دار الفتوى إلى تصعيد اللهجة في مواجهة استيلاء عون على صلاحيات الرئاسة الثالثة، كُلف اللواء ابراهيم بالقيام بمسعى “تبريدي” للغليان السنّي عبر طلب التريث في التصعيد، بموازاة تقديم وعود بالعمل على فصل مسار التكليف عن مسار التأليف احتراماً لصلاحيات الرئيس المكلف، بمعنى أن يصار إلى تكليف الشخصية التي تختارها الطائفة السنية ترؤس الحكومة لكي تتولى هي بنفسها فكفكة عقد التأليف”، لافتةً إلى أنّ ابراهيم كان قد علم بنية الحريري سحب ترشيحه من التداول فسعى إلى إقناعه بالتريث في اتخاذ هذا القرار لكن رئيس “المستقبل” بدا حاسماً وحازماً في تأكيد عدم الترشح وهو ما جسده في بيان مكتوب منعاً لأي تأويل أو تحليل.
أما على المقلب الآخر، فلا ترى مصادر قصر بعبدا أي مبرر لكل ما يثار حول تأخير موعد الاستشارات النيابية الملزمة لناحية اتهام رئيس الجمهورية بأنه يصادر صلاحيات الرئيس المكلف، بل هي اعتبرت لـ”نداء الوطن أنّ عون إنما يريد تأمين “حد أدنى من التوافق على اسم الرئيس المنوي تكليفه لكي لا يصل أي رئيس حكومة بحصيلة نيابية هزيلة لا تخدم عملية التأليف”، رافضةً اتهام رئيس الجمهورية بارتكاب مخالفة دستورية عبر تقديمه التأليف على التكليف، باعتباره كلاماً يندرج ضمن إطار “الحملة السياسية التي تستهدفه”.
ورداً على سؤال، أكدت المصادر أنّ “رئيس الجمهورية لم يحسم بعد موعد الاستشارات وينتظر حصيلة المشاورات الجارية التي من المتوقع أن تتبلور بصورة أوضح خلال هذا الاسبوع”، مشيرةً إلى أنّ “الحديث يدور راهناً حول تشكيل حكومة تكنوسياسية وفي حال لم يحصل توافق بين الفرقاء خلال المهلة التي منحها عون لتأمين هذا التوافق، فسيذهب عندها إلى تحديد موعد الاستشارات وسيحترم إرادة الأكثرية النيابية في عملية التكليف”.
موقف الكتل
ويبدو واضحا ضمن المعطيات الجديدة عقب اعلان الحريري قراره عدم قبول الترشح، انه ليس في وارد ترشيح أي اسم الا في الاستشارات النيابية النيابية الملزمة، ولو ان بعض حلفائه يرددون خيار نواف سلام، اذ ان الرئيس فؤاد السنيورة الذي يدعم ترشيح نواف سلام يرجح ان يتجه رؤساء الحكومة السابقين الأربعة الى تزكية ترشيحه.