وسط أجواء ضبابية، عادت تخيّم في سماء العلاقات بين المكونات التي تسعى إلى تأليف حكومة جديدة، ومع عودة الدولار الأميركي إلى الارتفاع، كإشارة سلبية للارتباك في التأليف، أو انكشاف الجهات المعرقلة، مما اوجد حالة غير مقبولة، لدى الرئيس المكلف سعد الحريري والكتل التي رشحته لتأليف الوزارة العتيدة، وتم التداول في خيارات عدّة، منها نقل الإحراج إلى بعبدا، وتقديم تشكيلة خارج سياق التفاهم الكامل، لقبولها أو رفضها، لكن المناخ التوافقي اقتضى تحريك الوسطاء، فزار الرئيس المكلف بعبدا، وأعيد ضخ أجواء «توافق وايجابية» بعد بيانين لبعبدا والنائب جبران باسيل ان لا أحد يتدخل كطرف ثالث، وان عملية التأليف تسير بالطرق الدستورية، وفقاً لما هو معلن بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف.
وأكدت مصادر مطلعة ان الرئيسين توصلا إلى حلول لبعض العقد المستعصية، مشيرة إلى ان اللمسات الأخيرة توضع على الأسماء والحقائب.
وكشفت ان موعد تأليف الحكومة هو بعد غد الخميس. وفي معلومات “اللواء” ان تطورات ايجابية حصلت وحولت الموقف وفقاً لمصادر رسمية متابعة لإتصالات تشكيل الحكومة صورة الوضع بعد زيارة مفاجئة للرئيس المكلف الحريري الى قصر بعبدا حيث التقى الرئيس ميشال عون، وخالفت كل الجو السلبي الذي ساد اواخر الاسبوع الماضي وأدى الى سجال سياسي حول توزيع الحقائب والحصص، والى ارتفاع سعر صرف الدولار نحو 500 ليرة. حيث تبين ان اتصالات الرئيسين لا زالت قائمة بينهما ومع المعنيين بالتشكيلة الحكومية بصمت وتكتم شديد.
كما دفع رئاسة الجمهورية ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الى إصدار نفي وتوضيحات حول حقيقة ما يجري. وتردد ان الحريري قد يزور بعبدا اليوم ايضاً ربما لتقديم مسودة او تصور لشكل الحكومة.
وقد صدر في اعقاب لقاء الرئيسين بيان مقتضب كالعادة جاء فيه: ان الرئيس عون تابع مع الرئيس الحريري درس ملف تشكيل الحكومة الجديدة، في جو من التعاون والتقدم الإيجابي. وعلى هذا، ونتيجة لتكتم الرئيسين، لم يُعرف ما هو حجم التقدم الايجابي الحاصل، هل هو حول عدد وزراء الحكومة ام حول تمثيل القوى السياسية والتوزيع الطائفي لا سيما للدروز، ام حول نوعية الحقائب التي ستسند لكل فريق؟ علماً انه لم يصدر ما يوحي بحل مسألة تمثيل الحزبين التقدمي الاشتراكي والديموقراطي اللبناني، ولا تمثيل تيار المردة بحقيبة ام حقيبتين. ومع المساء، وبعد ساعتين على لقاء الرئيسين، تسربت معلومات مفادها انه تم الاتفاق على ان تكون الحكومة من 18 وزيراً، وان البحث يدور حول توزيع الحقائب الاساسية والخدماتية لا سيما الاشغال والطاقة والاتصالات والصحة.
بالمقابل، حافظت مصادر بعبدا على التوصيف نفسه للقاء الرئيس الحريري منذ قيام اللقاءات بينهما أي التقدم والتعاون. ولم تخرج معلومات فضفاضة عن هذا الأجتماع الذي سبقه بيان من مكتب الإعلام في الرئاسة يدحض ما يسرب من اجواء عن أسماء وتدخلات مشيرا إلى أن موضوع تأليف الحكومة مرتبط بعون والحريري وفق الدستور وإن المشاورات متواصلة ولا طرف ثالث ولا سيما النائب جبران باسيل.
ولم تشأ المصادر التأكيد ما إذا كان الحريري قدم مسودة حكومية لافتة إلى أن للبحث تتمة وإن المناقشات دارت حول بعض التفاصيل التي سيصار إلى معالجتها وهي في الأصل موضع تباين كموضوع حجم الحكومة وتوزيع الحقائب في الوقت الذي برز فيه تأكيد على أهمية صفات الوزراء في الحكومة.
وسط تأكيدات ان النقاش الرئاسي يدور حول مسودة قدمها الحريري الخميس الماضي، ويجري إدخال تعديلات عليها لجهة الحقائب غير الأساسية، بعدما حسم عدد الوزراء واستقر على 18 وليس 20 وزيراً.
والبارز، كان مسارعة النائب جبران باسيل إلى تكذيب الكلام عن تدخله في عملية تأليف الحكومة، واصفاً هذا الكلام بأنه عارٍ عن الصحة، لكنه في المقطع الأخير من بيانه، عاد وتحدث عن عرقلة تأليف الحكومة متهماً غيره بذلك.
وعادت الأوساط العونية تتحدث عن ان التشكيلة لا يمكن ان تبصر النور إذا لم تشكّل وفقاً للمعايير نفسها، واعضاؤها يوحون بالثقة والقدرة على العمل.
وتعتبر هذه الأوساط ان من بين العراقيل مطالبة النائب سليمان فرنجية بحقيبتين في حكومة من 18 وزيراً، فضلاً عن الاتفاق سلفاً، حول طائفة وزير الطاقة.
وحتى وقت متأخر من ليل أمس، كان حزب الطاشناق لم يتلق أي عرض في ما خص الحقيبة التي ستسند إلى إحدى الشخصيات التي سيرشحها. إلى ذلك، تساءلت مصادر في اللقاء الديمقراطي عن السبب، الذي يمنع النائب طلال أرسلان من ان يتمثل بوزير مسيحي، ما دامت كتلته تضم 3 نواب مسيحيين.
الحريري لن يعتذر: من جهة أخرى، أشارت “الانباء” الكويتية الى ان نائباً بيروتياً أبلغ مرجعا معنيا أمس بأنه لا يرى حكومة جديدة بعد الانتخابات الأميركية، وان الأمر سيطول، لكن الرئيس المكلف لن يعتذر.
واضافة الى التعقيدات الداخلية، سأل النائب المتابع: مَن مِن الدول العربية الوازنة هنأت الرئيس المكلف بتكليفه؟ وقال انه لا يتوقع من هذه الدول تقديم التهنئة، وبالتالي المساعدة، بعد التأليف، هذا إن حصل! وعما ينتظر الحكومة في حال
تأليفها، قال النا ئب عينه: البعض يتوجس من عملية توقيع ترسيم الحدود مع اسرائيل، والراهن ان هناك ما هو أخطر ينتظرها، ألا وهو وضع البلد تحت سلطة صندوق النقد الدولي، وبالتالي إفلاسه، حيث سيكون دور الحكومة دور وكيل التفليسة، ما يضع موجودات الدولة اللبنانية ـ بما فيها الذهب ـ في المرمى!
التأليف في نفق التعطيل: مصادر متابعة للملف الحكومي، أشارت عبر “الأنباء الالكترونية” إلى أن الملف الحكومي لا يزال يراوح مكانه، حتى ولو أن الرئيس المكلّف سعد الحريري زار قصر بعبدا عصر أمس والتقى رئيس الجمهورية ميشال عون، مسجّلاً خرقاً في محاولة كسر الجمود الحاصل منذ الخميس الفائت. فالبيان الذي صدر عن المكتب الاعلامي لرئاسة الجمهورية لم يحمل أي جديد، وأتى مشابهاً للبيانات السابقة.
وفيما حاولت أجواء بعبدا الايحاء بأن لقاء عون – الحريري “جاء لاستكمال مشاورات التشكيل”، وأن “لا خلافات جوهرية حولها، وأن الرئيس المكلف سيقوم بزيارة ثانية الى القصر الجمهوري خلال الساعات المقبلة”، فإن المصادر لفتت الى أن “خلو البيان من إشارات محددة لما دار من نقاشات، ما يؤشر الى ان التباينات في وجهات النظر على الاسماء والحقائب ما زالت تراوح مكانها، ولا شيء محسوم حتى الساعة”.
مصادر عين التينة وصفت عبر “الأنباء” زيارة الحريري الى بعبدا “بالجيدة”، معتبرة أنها “تدحض كل الاقاويل التي ترددت عن وجود خلافات بين الرئيسين”، معتبرة أن “هناك فرقاً كبيراً بين الخلاف والتباين بوجهات النظر”. المصادر طمأنت اللبنانيين بأن “الأجواء ستكون ايجابية وستظهر نتيجتها في الايام المقبلة”.
من جهتها، جددت مصادر بيت الوسط تأكيدها لـ”الأنباء” أن “الحريري لم يتزحزح عن شروطه لتشكيل الحكومة، ولم يرضخ لأية ضغوط مهما كان نوعها، لأن تشكيل الحكومة منوط به شخصياً بالتعاون مع رئيس الجمهورية في شكل الحكومة والأسماء، ولكن لا أحد يفرض عليه أي اسم اذا لم يكن مقتنعاً به، وهو يتصرف بموجب الدستور، أما زمن فرض الأسماء قد ذهب الى غير رجعة”.
المصادر وصفت زيارة الحريري الى بعبدا بالجيّدة إذ “تعبّر عن اضطلاع الرئيس المكلّف بمسؤولياته كاملة واستعداده لمناقشة كل الأمور بهدوء ورويّة”. وكشفت ان الحريري “كان يصرّ على تسليم عون مسودة التشكيلة الحكومية التي أعدّها، لكن وساطات دخلت على الخط جعلته يعدل عن ذلك بانتظار استكمال المشاورات”.
ثلاث عقد: الى ذلك، افادت “النهار” ان ثمة ثلاث عقد ما زال يجري العمل على حلحلتها بالاتصالات واللقاءات المعلن منها والبعيد من الضوء.
وتحدثت معلومات عن ان الرئيس نبيه بري قد يدخل على الخط بالاتصال بكل من “حزب الله” وسليمان فرنجية في محاولة لتذليل عقدتيهما.
وعلم ان التشكيلة رست على 18 وزيراً والبحث عالق على كيفية توزيع حقائب الصحة والاشغال والطاقة وان كلاً منها متصلة بالأخرى فاذا تم حل الواحدة تحل الثانية والثالثة.
واشارت المعلومات الى ان الحريري يرفض ابقاء القديم على قدمه في توزيع هذه الحقائب الاساسية، فيما “حزب الله” يطالب بإبقاء وزارة الصحة معه وفرنجيه بالاشغال كما يطالب النائب جبران باسيل بالطاقة وهذا ما سيبقي حقيبة الاتصالات مع الحريري.
وبما ان الحكومة من 18 وزيراً فسيكون للدروز حقيبة واحدة تعطى للاشتراكي والارجح انها ستكون التربية في حال بقي القديم على قدمه في توزيع الحقائب الخدماتية الاساسية.
وفِي الحقائب السيادية، اشارت اخر المعطيات الى ان حقيبة المال باقية مع الطائفة الشيعية وحركة “أمل”، و ستؤول الدفاع الى ارثوذكسي والداخلية لماروني والخارجية لسني .
عقدة مسيحية -مسيحية: بدورها، تحدثت مصادر مقربة من قوى 8 آذار عن أن هناك عقدة مسيحية – مسيحية، تتمثل في حصة تيار المردة الذي يترأسه النائب السابق سليمان فرنجية، وهو أحد خصوم التيار الوطني الحر على الساحة المسيحية، قائلة لـ”الشرق الأوسط” إن نقاشاً يجري حول تمثيل المردة بوزارة الدفاع من عدمه، أو في وزارة وازنة أيضاً، وهو ما لم يُبتّ فيه حتى الآن.
اتصال عون- الحريري: ولفتت “نداء الوطن” الى أن بعد طغيان السلبية على أجواء الملف الحكومي واستشعار رئيس الجمهورية جدية الرسائل التي بلغته ورجحت كفة اتجاه الرئيس المكلف إلى تقديم تشكيلته وإيداعها في عهدة قصر بعبدا للقبول أو الرفض، جرى اتصال هاتفي بين عون والحريري أتبعه المكتب الاعلامي لرئاسة الجمهورية بإصدار بيان ينفي بشكل غير مباشر تأثير باسيل على عملية التشاور التي يجريها عون مع الحريري.
الايجابيات تتراكم: وفي السياق، كشفت مصادر مطلعة أنّ لقاء لقاء رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري امتد لساعة ونيف، وعُقد في الجناح العائلي من القصر، فدخل وخرج الحريري من بوابته الخاصة دون ان يرصده احد. وحول ما انتهت اليه الزيارة قالت المصادر لـ”الجمهورية” بكلمات معدودة: “هناك على ما يبدو تطورات ايجابية”.
وفي الموصوع، نقل احد زوار الحريري عنه قبيل الزيارة لـ “الجمهورية”: انّ هناك تفاهماً على موعد يوم الاربعاء المقبل (غداً)، ولكنه كان يفكر في خرق المسافة الفاصلة بين اللحظة والموعد، فأمسك هاتفه وتحدث الى الرئيس عون مباشرة وانتقل الى قصر بعبدا منعاً لتفاقم السيناريوهات والروايات التي تسيء الى المسعى الجاري لتشكيل الحكومة بأسرع وقت ممكن”. ولمح الزائر الى انّ هذا اللقاء لن يلغي الموعد المقبل. دون ان يستبعد حصول زيارة أخرى قبل الاربعاء.
لا معايير: في المقابل، أوضح قطب نيابي لـ”الجمهورية” ان “لا معايير في توزيع الوزارات على الطوائف، ولا حول التوزير واي كتل سياسية او نيابية ستسمّي الوزراء، كذلك لا معايير حول المداورة او كيف ستُعتمد، مع التأكيد أنّ هذه المداورة تبدو حتى الآن عنواناً كبيراً غير قابل للتطبيق، ولا يجب الّا نتجاوز أنّ موضوع اسناد وزارة المالية الى الشيعة، ولشخصية يُسمّيها الرئيس نبيه بري، ما زالت محلّ تحفّظ بالغ لدى رئيس الجمهوريّة وفريقه”