لم يعد هناك من محرمات في ظل العهد “القوي”، فالدستور تحول الى وجهة نظر، وإتفاق الطائف يُفرّغ من مضمونه لمصلحة الأعراف، وصلاحيات رئيس الحكومة تنتهك على مرأى ومسمع الرئيس حسان دياب الذي سيكون أمام إمتحان وطني وسني في الوقت نفسه، لجهة كيفية تعاطيه مع القرارات التي صدرت عن المجلس الأعلى للدفاع التي تبقى من دون آلية تنفيذية وقد تتعرض للتشكيك والطعن إذا لم يوقعها رئيس الحكومة.
يبدو واضحا أن الرئيس عون قد تخلى عن الحكومة تأليفا وتصريفا، لمصلحة “مجلس رئاسي” ظهرت بوادره في إجتماع المجلس الأعلى للدفاع، يستولي على صلاحيات الحكومة والوزارات والادارات، ويصدر القرارات والتكليفات بفتح إعتمادات وتنفيذ ومراقبة مشاريع، الأمر الذي يعتبره مراقبون بأنه “يشكل إساءة كبرى الى المجلس الأعلى للدفاع الذي يناط به حماية البلد والذود عنه وإتخاذ القرارات المصيرية أمنيا وعسكريا، وليس الاهتمام بفتح أقنية المجارير وتنفيذ مشاريع الطرق والقيام بمهام لا علاقة له بها لا من قريب أو بعيد”.
لم يعد خافيا على أحد أن لدى رئيس الجمهورية والدائرة المحيطة به رغبة جامحة في إستعادة النظام الرئاسي على حساب إتفاق الطائف وصلاحيات رئاسة الحكومة، وصولا الى فرض ما يشبه الحكم العسكري، وما الحديث المتنامي عن الاغتيالات والتوترات الأمنية التي بقيت من دون دلائل أو معلومات إلا تمهيدا لفرض مزيد من القمع وإستخدام القوة المفرطة التي قدمت نموذجا عنها أمس بمواجهة المتظاهرين والاعتداء على بعض الناشطين، فضلا عن إستخدام القضاء في تصفية الحسابات السياسية مع معارضي العهد، وتحويل بعض الملفات الى “غب الطلب”.
تشير مصادر سياسية مطلعة الى أن “الرغبة الرئاسية وترجمتها باجتماع المجلس الأعلى للدفاع في محاولة لمصادرة دور الرئاسة الثالثة تبقى غير شرعية ومخالفة للدستور وأسيرة جدران قصر بعبدا، إذ ليس لها أية آليات تنفيذية، ما يعني أنها لزوم ما لا يلزم”.
لا شك في أن الرئيس عون من شأنه أن يؤدي الى مزيد من التشنج بينه وبين الرئيس المكلف سعد الحريري، وأن يضع الحكومة العتيدة في “ثلاجة” الانتظار من دون تشكيل ومن دون إعتذار، في حين شكلت دعوة الرئيس عون الى تفعيل حكومة تصريف الأعمال لتلبية حاجات البلد في ظل الظروف الضاغطة، رسالة واضحة للحريري بأنه إما أن يشارك معه في تسمية الوزراء وخصوصا المسيحيين وفقا لرغبة جبران باسيل، وإلا لن يكون هناك حكومة، ولتبقى رئيسا مكلفا الى ما شاء الله.
كل ذلك، يقود لبنان نحو الدرك الأسفل من الهاوية بطالة وفقرا جوعا ويأسا، ويُمعن في الاساءة الى صورته أمام دول العالم المجتمعة من أجل مساعدته والتي تطالبه فقط بتشكيل “حكومة مهمة” من إختصاصيين للبدء في عملية الانقاذ، فيما “العهد القوي” منشغل في كيفية تحقيق حلمه في النظام الرئاسي وفي تحقيق رغبات “ولي العهد” ولو على حساب ضرب وإنتهاك المؤسسات وصولا الى المؤسسة العسكرية عبر إضعاف دور المجلس الأعلى للدفاع.