وفوجئت أوساط الرئيس المكلف، بحسب “اللواء” بموقف الرئيس برّي، مع تأكيدها على الاستمرار بالمساعي لتأليف الحكومة على الرغم من تراجع الخيارات.
ورأت مصادر واسعة الاطلاع ان رئيس المجلس، وبعد ثلاثة أسابيع على التكليف، يشعر بأن هناك تفرداً في عملية التأليف من قبل الرئاسة الاولى، والثالثة، واستمزاج آراء شخصيات من المرحلة السابقة في بلورة أسماء بعض الشخصيات، في إشارة إلى دور النائب اللواء جميل السيّد، في عملية التأليف.
وألمحت المصادر ان موقف برّي لم يكن ابن لحظته، وهو تمّ بالتنسيق مع حزب الله.
وعُلم في هذا السياق ان هناك اتصالات بعيدة عن الاضواء من اجل اعادة البحث في التركيبة الحكومية. ويبقى القرار عند الرئيس المكلف، الذي ما زال مصرّاً على حكومة من 18 وزيرا من الاختصاصيين.
تبدل المعطيات !
وكشفت المصادر المطلعة لـ”النهار” ان المعطيات تبدلت فجأة عقب الموقف الذي اعلنه الرئيس نبيه بري بدعوته الى “حكومة لم شمل جامعة”، مع تسريب معلومات مؤكدة من مصادر معنية بالتأليف عن توجه جديد الى استبعاد كل الوجوه الوزارية السابقة والإتيان بوجوه وزارية جديدة، مما يعني تجاوز التفاهم الذي اعقب لقاء عون ودياب بتوزير دميانوس قطار في الاقتصاد بدلاً من الخارجية نزولاً عند رغبة الرئيس المكلف في توزيره. وفي المعلومات ان الرئيس المكلف تريّث في الإجابة عن الطرح الجديد.
ولم تقف المسألة عند هذه العقبة المستجدة، بل ترافقت ايضاً مع توجه جديد بدأ الكلام فيه رسمياً بين قوى التكليف والتأليف عن ضرورة توسيع الحكومة الى 24 وزيراً لتوسيع التمثيل فيها. وجاء طرح صيغة الـ24 وزيرا عقب دعوة رئيس مجلس النواب الى حكومة لم الشمل، وان اختلفت آراء القوى المعنية حول طبيعة هذه الحكومة.
ولفتت المصادر الى ان رئيس الجمهورية كان يرى من البداية تشكيل حكومة تكنوسياسية وانه استجاب لمطلب الرئيس المكلف حكومة التكنوقراط، وربما وجد في موقف الرئيس بري مناسبة للعودة الى الحكومة التكنوسياسية اذا وافق كل الاطراف على المشاركة فيها ولو بوزارء تكنوقراط. أما الرئيس نبيه بري، فلا يراها الا حكومة وحدة وطنية، أي حكومة سياسية. والرئيس المكلف والوزير جبران باسيل يريانها حكومة تكنوقراط، و”حزب الله” لا يمانع بهذه الصيغة، مما يحيّدها عن اي مواجهة سياسية مع الشارع كما مع الخارج.
هذه التطورات اعادت خلط اوراق التأليف، ولا شك في أنها رحّلت ولادة الحكومة، بعدما كانت متوقعة قبل نهاية هذا الاسبوع.
الا ان مصادر الرئيس المكلف سارعت الى نفي المعلومات المسربة من مصادر معنية بالتأليف عن استبعاد كل الوجوه الوزارية السابقة بمن فيها قطار عن التوزير. وأكدت عدم حصول اَي تعديل في التشكيلة الحكومية التي قدمها الى رئيس الجمهورية في لقائهما الاخير بما فيها الاتفاق خصوصاً على دميانوس قطار وزيراً.
واشارت المصادر الى ان الرئيس المكلف هو الذي يشكل الحكومة وهو اجرى مشاورات كاملة لم تبلغ نقطة الصفر يوماً.
الحكومة السياسية أولاً
وفيما تتجه الأنظار إلى تبدّل في شروط حزب الله وحركة أمل بشأن الحكومة، أكدت مصادر مطلعة أن “لا شكّ في أنهما يُفضلان طبعاً حكومة بحضور سياسي بارز، كون المواجهة فُتحت على مستوى المنطقة ككل”. فـ”القصة مش مزحة، وهذه المنطقة يُعاد رسمها من جديد، ما يفرِض على الداخل اللبنانية مقاربة ملف الحكومة من زاوية جديدة”. مع ذلك، لا يريد أحد في 8 آذار “فتح مواجهة مع الرئيس عون حالياً في حال تراجع، وبمعنى آخر لن تفتح حرب لتشكيل حكومة سياسية في ما لم يكُن هناك توافق حولها”، علماً أن “تشكيل حكومة ببروفايل لا يستسيغه الأميركيون سيكون نوعاً من الرد السياسي، شبيه بدعوة الحكومة العراقية لخروج القوات الأجنبية من البلاد”.
فالمعطى الإقليمي المستجد بعد الصدام الأميركي – الإيراني المباشر ليزيد الطين بلّة ويضعضع النزعة التكنوقراطية في التشكيلة الحكومية المرتقبة على اعتبار أنّ “الأوضاع تبدلت في المنطقة والمرحلة باتت تتطلب تشكيل حكومة مطعمة بسياسيين” حسبما شددت مصادر قيادية في قوى 8 آذار لـ”نداء الوطن”، متسائلةً: “كيف تتم تسمية وزراء من كتل وأحزاب سياسية ويصرون على تسميتها تشكيلة تكنوقراط؟ ثمّ هل بمقدور مغامرة من هذا النوع التعاطي مع ملفات ساخنة سواءً على مستوى تحديات الداخل والخارج؟”، وأردفت: “لا الوضع في البلد ولا الوضع في المنطقة يناسبه حكومة تكنوقراط اليوم”.
بري يتحرك
وتوقفت مصادر وزارية مقربة من رئاسة الجمهورية عند موقف بري، وقالت لـ”الشرق الأوسط”: “كلام رئيس البرلمان مهم، ولا يمكن تجاهله، وهو بالتالي قد يغيِّر مسار تشكيل الحكومة والصيغة التي كان يعمل عليها، أو إمكانية توسيع الحكومة، وتبدل صيغتها لتصبح تكنوسياسية”.
وقالت مصادر مطلعة على موقف “الثنائي الشيعي” لـ”الشرق الأوسط”، إنه بات من الضروري العمل لتشكيل حكومة تعبِّر عن دقة هذا الوضع، من دون أن يعني ذلك نسف كل الجهود السابقةـ إنما العمل على تطوير المسار.
وكشفت لـ”الشرق الأوسط” أن بري اتصل برئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري، وحثه على العودة إلى لبنان، وهو ما لاقى تجاوباً منه، مرجحة أن يشارك الحريري في جلسة إقرار موازنة 2020 نهاية الشهر الحالي، في حال لم تولد الحكومة الجديدة.
وبينما ذهبت أوساط سياسية إلى حد التأكيد على كون تشديد بري على دور الحريري في هذه المرحلة لكي يفعّل تصريف الأعمال إنما يختزن نيّة “الثنائية الشيعية” في دفع دياب إلى الاعتذار تمهيداً لتعبيد الطريق أمام إعادة تكليف الحريري، وأنّ بري يتولى في هذا المجال التصريح بالأصالة عن نفسه وبالوكالة عن “حزب الله” الذي يحرص على عدم اختلاق مشكلة مع قصر بعبدا، آثرت المصادر القيادية في 8 آذار عدم الخوض في هذا التحليل، واكتفت بالقول: “الأمور معقدة جداً، وعلى كل حال ليس خافياً أنّ الرئيس بري على تواصل مع الرئيس الحريري وهو يريده أن يعود إلى بيروت، سواءً للحاجة إليه في تفعيل عملية تصريف الأعمال أو لناحية مشاركته في جلسة مناقشة وإقرار موازنة 2020 التي يريد رئيس المجلس أن يعقدها قبل نهاية الشهر”.
أما المصادر المطلعة على أجواء “بيت الوسط” فأكدت لـ”نداء الوطن” أنّ “الرئيس بري حريص على عودة الرئيس الحريري إلى بيروت ليشارك في جلسة إقرار الموازنة العامة لكنه لم يفاتحه في موضوع الحكومة”، متوقعةً أن يعود مطلع الأسبوع المقبل.
اللمسات الأخيرة على حكومة التكنوقراط
في هذا الوقت، تتواصل الاتصالات واللقاءات للوصول الى الحكومة المقبلة، التي تساعد على تجنيب لبنان نيران المنطقة من جهة، والانهيار الاقتصادي والاجتماعي من جهة أخرى، وفي المعلومات المستقاة من المصادر المطلعة على مجريات مخاض التأليف في اليومين الاخيرين لـ”النهار”، فان الاتفاق على حكومة التكنوقراط المؤلفة من ١٨ وزيراً كان قد انجز تقريبا ولم تعد هذه الصيغة في حاجة الى اكثر من ملء آخر الفراغات بالاسم المناسب. فآخر المعطيات التي اعقبت لقاء الرئيسين عون ودياب قبل يومين اكدت حسم آخر الحقائب والاسماء العالقة ولم يبق الا اسم الوزير الذي سيتولى وزارة الطاقة بعدما آلت الى ارثوذكسي بفعل حلول الوزير السابق دميانوس قطار في الاقتصاد التي كانت من حصة الارثوذكس.
وأوضحت المصادر انه من أجل الاتفاق على حقيبة الطاقة وإسقاط آخر الاسماء على آخر الحقائب، اوفد الرئيس المكلف صديقه شادي مسعد للقاء رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير جبران باسيل والتشاور في الاسماء الثلاثة المطروحة للطاقة، بعدما حسمت الحقائب السيادية على الشكل الاتي: الخارجية للسفير السابق ناصيف حتي، الدفاع للواء ميشال منسى مع نيابة رئاسة الوزراء، الداخلية للعميد طلال اللادقي، والمال لغازي وزني، حتى ان حقيبة العدل بتت لماري كلود نجم.
وكادت هذه المسودة الحكومية ان تنجز ولم يكن ينقصها سوى تسليم فريق الثنائي الشيعي الاسمين المتبقيين بعدما أبلغا شفهياً مرشحيهما الاخرين على ان يثبتاهما بلائحة خطية نهائية انتظرها الرئيس المكلف لكنها لَم تأت. حتى ان تيار “المردة” الذي قدم لائحة مرشحيه، اختير له في وزارة الاشغال المهندسة لميا يمين الدويهي. وثبتت الحقيبة الدرزية لرمزي مشرفيه، كما ثبتت حقيبتا الاعلام والثقافة لمرشحة حزب الطاشناق.
بانتظار الاسماء
وفي هذا الصدد، قالت مصادر مواكبة لعملية تأليف الحكومة لـ”اللواء” ان التشكيلة الحكومية تنتظر الاسماء الباقية التي سيتم ايداعها الرئيس المكلف من الكتل والاحزاب، مرجحة ان يتم في الساعات الـ48 المقبلة، مشيرة إلى ان لقاء رئيس الجمهورية مع الرئيس المكلف كان جيداً وجرى فيه التفاهم على كل النقاط العالقة كما انه تم توضيح الإشكالية التي تقوم حول بعض الوزارات ان لجهة الاشخاص الذين يتولونها او الاسماء التي ستعطى للرئيس المكلف علما ان هناك اسماء لم ترسل بعد اليه.
وافادت ان هناك وزارات اصبحت معروفة الى من ستؤول.
ولم تشأ المصادر تحديد الموعد لولادة الحكومة معلنة انه ما لم تبرز عقد كبيرة فإن التشكيلة الحكومية ستبصر النور هذا الاسبوع ولا يمكن ان تشكل عطلة الاحد سببا للتأخير.
واشارت الى ان لا مشكلة اذا ابصرت الحكومة النور الاثنين المقبل واوضحت ان لقاء عون دياب اجرى جوجلة لما طرح من أسماء لاختيار الانسب وعلم انه تم التداول بمعيار يقضي بصرف النظر عن ضم وزراء سابقين الى الحكومة كي لا يطلب اي طرف توزير وزراء سابقين في الحكومة الجديدة. وهذا ينطبق على الوزير السابق دميانوس قطار.
وعلمت “اللواء” ان معظم الاسماء التي تم التداول بها في الساعات الماضية في الإعلام هي الاقرب الى الحقيقة، ونفت المصادر مطالبة المردة بحقيبتين على ان مرشحة المرده رست على السيده نيللي يمين الدويهي.
ووفق المصادر فإن رئيس الجمهورية منفتح ويسهل مهمة الرئيس المكلف وقالت انه واثق انهما يذللان معا العقبات مع التمني بعدم بروز اخرى اضافية، واوضحت ان هناك تعاونا وتأكيدا مشتركا على ضرورة الإسراع في تأليف الحكومة.
ولفتت الى ان التطورات التي قيل انها ستؤخر التشكيلة راى فيها عون ودياب حافزا للتشكيل اما ما اذا كان سيصار الى تبديل اسماء للحكومة تبعا للتطورات فالامر ممكن مشيرة الى ان ما حصل في الثاني من الشهر الحالي فإن لبنان بمنأى عنه ومحصن تجاه تداعياته.
وعلمت “اللواء” ان فكرة عدم حصر حقيبتين بيد وزير تتخمر في الرأس ومن هنا التوقع برفع العدد الى 24 وزيرا الا اذا حصل تمسك بحكومة الـ18 وزيراً، موضحة انه من الضروري التوقف عند كلام الرئيس بري امس وما يرمي اليه حول الحكومة الشاملة سائلةهل يعني ذلك بقاء صفة الاختصاص اوالتكنوقراط للحكومة ام تحول الصفة الى تكنو-سياسية كما كان يرغب كثيرون.
هل يعتذر؟
ومع دخول مفاوضات التأليف مرحلة إعادة “خلط الاوراق” ويعود البحث إلى حكومة من 24 وزيراً، وتكنو-سياسية، في ضوء إعلان الرئيس برّي ان “المرحلة تستدعي حكومة لم شمل جامعة”، وهو الموقف الذي أحدث ضجة في الاوساط السياسية، التي سارعت إلى التساؤل عمّا إذا كان ما أعلنه رئيس المجلس النيابي بمثابة نعي لتكليف الرئيس المكلف، وبالتالي هل ان إصرار الرئيس برّي على ما سبق ان أبلغه للرئيس دياب خلال مشاورات التأليف بضرورة التواصل مع الجميع بمن فيهم القوى السياسية التي لم تسمه، سيدفع بالرئيس المكلف إلى الاعتذار في نهاية المطاف، بعد ان يتأكد ان حكومة الاختصاصيين المستقلين لم تعد “عملة رائجة” في خضم الرياح التي تعصف في المنطقة، ما يستدعي “حكومة لم شمل جامعة” بحسب الرئيس برّي؟
ودعت هذه الاوساط إلى استطلاع موقف ثنائي “أمل” و”حزب الله”، عمّا إذا كانا قررا العودة إلى حكومة مطعمة بوزراء سياسيين، وحكومة وحدة وطنية تضم كل الاطراف لمواجهة مرحلة الصراع الاميركي – الإيراني، وانعكاساته على المنطقة، ومنها لبنان.
وإذا كانت مصادر رجحت ان يتبلور موقف الرئيس المكلف غداً الجمعة، وفق المعلومات التي كانت سربت اعتزامه الاعتذار أو الاعتكاف، رغم النفي المتكرر منه، فإن مصادر سياسية مطلعة لم تستبعد ان تشكّل الإطلالة الثانية للأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله، عند الثانية والنصف من بعد ظهر يوم الاحد المقبل لمناسبة ذكرى أسبوع الجنرال قاسم سليماني، مناسبة للدخول في الشأن الحكومي اللبناني، خصوصاً بعد ان كثرت الاجتهادات والتحليلات حول أسباب عدم تطرقه إليه في احتفال التأبين الذي أقيم في الضاحية، وعما إذا كان هناك ربط للوضع اللبناني بتداعيات المواجهة الاميركية – الإيرانية في المنطقة.
وذكرت المصادر الرسمية ان المرحلة تتطلب التريث قليلا في تشكيل الحكومة لحين اتضاح صورة الوضع الاقليمي، فيما قالت مصادر اخرى، “ان الرئيس ميشال عون ينتظر الرئيس المكلف لإبلاغه تشكيلته الحكومية بعد الاخذ بملاحظاته التي ابلغه اياها في لقائهما امس الاول، لأن تشكيل الحكومة يتم دستوريا بالاتفاق بين الرئيسين”.