كتبت فيوليت غزال البلعة في Arab Economic News : تقف البلاد أمام منعطف تاريخي، إذ تواجه تحديات سياسية واقتصادية واجتماعية، والقلق يساور المواطنين من مستقبل قاتم إن لم يجر تدارك الموقف مبكرا. فالأزمة السياسية عميقة، عنوانها الرئيس التراجع عن مشروع الإصلاح وإغلاق ملفات الفساد، وترحيل الأزمات من حكومة الى أخرى وفشلها في مواجهة استحقاقات المرحلة ومواجهة الأزمة المالية والاقتصادية والاجتماعية، وتحميل أصحاب الدخول المتدنية والمتوسطة.
عناوين تنطبق على أزمة لبنان لكنها توصيف للأردن عام 2012 (!) الذي عانى أزمة مالية واقتصادية حادة، تجلت بتراجع النمو الى 2%، وارتفاع التضخم الى 6%، وعجز غير مسبوق في الموازنة وارتفاع الدين العام، فيما العجز المتنامي في ميزان المدفوعات وتراجع تحويلات المغتربين، أديا إلى زيادة عجز الحساب الجاري وساهما بتراجع احتياطات العملات الأجنبية، مما هدّد استقرار سعر صرف صرف العملة الوطنية. اما الإجراءات الاحترازية التي اقدم عليها البنك المركزي برفع سعر الفائدة لتحسين مكانة الدينار لم تجدِ نفعا، لأن العلاج تطلّب حزمة متكاملة من الاجراءات في السياسات المالية والنقدية والاقتصادية.
هي الأزمات الخانقة عينها تحطّ رحالها في دول تعاني ثغرات مفتوحة على تقاعس السلطات عن اتخاذ إجراءات إصلاحية حازمة وقادرة على لجم التدهور وتخفيف التكاليف. فأين لبنان من هذا المشهد، وهو الغارق في وحول “الكباش” بين رئيس الحكومة المكلّف ومكلِّفيه الى حدّ العجز عن توليد حكومة إصلاحيين يطلبها المجتمع الداخلي ليرمّم ثقة فقدها، وينتظرها المجتمع الدولي ليضخّ مليارات لن تكتمل حلقة الإنقاذ الموعود بدونها؟
في الزمن الفاصل، تبقى معاناة اللبنانيين واقفة عند باب القطاع المصرفي وسوق الصرافين في إنتظار الحل الآتي من الباب السياسي قبل أن تطيح أزمة الدولار بكل مفاصل الحياة اليومية والمعيشية، حيث القوانين المرعية تقيّد الصلاحيات في إستنساب الظروف والإجراءات. هذا ما يعانيه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة “الذي لا توليه النصوص القانونية المرعية الإجراء صراحة، صلاحية تنظيم أو تحديد أو تعديل الإجراءات الإستثنائية المؤقتة التي فرضتها الظروف الحالية للبلاد”. فطلب في كتاب الى وزير المال علي حسن خليل نهاية الأسبوع، منحه “صلاحيات إستثنائية” تجيز له إصدار تعاميم لتنظيم الفوضى في القطاع المصرفي، وخصوصا “بعض التدابير المؤقتة لجهة فرض قيود على بعض العمليات المصرفية وعلى التحاويل المصرفية إلى الخارج وعلى سحب الأوراق النقدية”، والهدف تنظيم تلك الإجراءات وتوحيدها بين المصارف لتطبيقها بشكل عادل ومتساو على المودعين والعملاء.
الصلاحيات الإستثنائية التي يطلبها حاكم مصرف لبنان ليست لإستحداث إجراءات جديدة، وفق ما أوضح سلامة لوكالة “رويترز” امس، بل لتوحيد القيود التي طبّقتها المصارف وتنظيمها. لكن، هل تقتصر المسؤولية على البنك المركزي؟ أين السلطة السياسية الغارقة في “كوما” ترغمها على إسقاط الهمّ الاجتماعي من حساباتها التفضيلية رغم تعاظم قوة الثورة وجلاء برنامجها المكافح للفساد؟ وبرسم مَن يجب وضع تقرير صحيفة “فايننشال تايمز” أمس عن انعكاسات أزمة لبنان على سوريا؟
فتحت عنوان “الاضطرابات في لبنان تؤذي سوريا”، إنطلقت “فايننشال تايمز” من الإزدحام على طول الطريق الدولي بين بيروت ودمشق، لتشير إلى أنّ شاحنات محملة بالمنتجات المستوردة تتشارك الطريق مع مركبات تحمل لوحات سورية وتقلّ رجال أعمال. وأوردت أن “السيارات تهرّب حزماً من الدولارات من المصارف ومحال الصرافة اللبنانية إلى سوريا”، مؤكدةً أنّ الطريق السريع “يمثّل شريان حياة مالياً لسوريا، إذ يساعد الشركات على البقاء في ظل إقتصاد غير واضح تبدو فيه الخطوط بين التهريب والتجارة مشوشة“.
وفقا لذلك، لفتت الصحيفة إلى أنّ سوريا، المعتمدة إقتصادياً على الإستيراد، باتت تعيش في ظل فوضى أكبر مع اندلاع الأزمة المصرفية اللبنانية وأزمة شحّ الدولار الذي ساعد سوريا على مواصلة الإستيراد. وإذ تحدثت عن خفض سقوف السحوبات والقيود على عمليات التحويل، نقلت عن رجل أعمال في سوريا قوله “نعاني مشكلة حقيقية على مستوى تدفق العملة النقدية.. جميع الأعمال التجارية السورية تتم عبر لبنان… بتنا نحصي كل ليرة ننفقها”. وأكثر من ذلك، أوردت أن المحامين اللبنانيين يفتحون شركات وهمية للسوريين، فيما تستقبل المرافئ اللبنانية الوقود المعدّ للوصول إلى سوريا، وتزوّد سوق العملات الأجنبية السوداء في لبنان السوريين بالعملات النقدية.
ختمت الصحيفة بالقول إنّ المصارف السورية الخاصة ليست بأغلبها سوى فروع للمصارف اللبنانية، “فالشركات السورية تستخدم المصارف اللبنانية للتحايل على العقوبات الدولية“.
معلومات يفترض أن تستوقف السلطة للتحقيق والتحقّق مما يجري على طول الشريان المفتوح مع سوريا، لعل فيها تكمن إحدى علل الأزمة التي قيل الكثير فيها وعنها، ولم يتبين لها سقف ولا أفق.
الوقت ليس في مصلحة أحد. حدة الأزمة تستدعي تحركا فوريا لـ”خلية أزمة” كان يفترض تشكيلها حتى في ظل “تصريف الأعمال”، والهدف تطويق المفاعيل والحدّ من الخسائر والبدء بمرحلة الإنقاذ قبل أن يحكم الخناق قبضته على عجلة الإقتصاد وما بقي منها يدور وإن ببطء، قبل أن تصيبه عدوى الشلل.
تبحث السلطة عما يرضي بعضا من مطالب الثوار. ولكن، إن كان بوادر العلاجات المنتظرة يعتمد على البحث عن “مسؤول” لتجريمه، فأي حلول ناجعة يترقب اللبنانيون؟ وهل وقع الإختيار على أعداء السياسيين الذين ترتفع حدة اتهاماتهم كلما ارتفعت حماوة معركة الرئاسة الأولى؟ لا تبحثوا عن “كبش محرقة”، ركزوا على العلاج بما يخفّف آلام اللبنانيين ويطمئنهم ليس إلى ودائع يخشون تبخرّها فحسب، بل إلى مستقبل يحتاج الكثير من جرعات الثقة!