وفيما كان «كورونا» يضع لبنان في قلب نموذج مروّع تزداد مظاهره في المستشفيات التي اقتربت من رفْع الراية البيضاء وسط مشاهد مُرْعبة لمواطنين يتلقون علاجات طارئة في سياراتهم وآخرين يلفظون أنفاسهم على أبوابها في ضوء بلوغ القدرة الاستيعابية حدّها الأقصى وقصور الرفْع البطيء لعدد الأسرّة ولا سيما في العناية الفائقة عن اللحاق بعدّاد الاصابات اليومية الذي بات يناهز 6 آلاف، شكّل توقيعُ وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن العقد النهائي صباح أمس مع شركة «فايرز» لتأمين أكثر من مليوني ومئة ألف لقاح تصل تدريجاً بدءاً من فبراير المقبل بارقة أملٍ بإمكان وقف زحْف الوباء وخصوصاً بحال مدّدت السلطات المعنية الإقفال التام مع حظْر التجوّل على مدار الساعة لما لا يقلّ عن أسبوع بعد 25 الجاري بما يسمح بإعطاء القطاع الاستشفائي جرعة اوكسيجين وتفادي كابوس… القبور المفتوحة.
وفي موازاة هذا العنوان الذي تحوّل الرقم واحد في الأجندة اللبنانية، لم تبرز أي مؤشراتٍ إلى أن المأزق الحكومي يقترب من فتْح ولو كوة في جدار تعقيداته الداخلية التي تشكّل امتداداً للوقائع الاقليمية وسرعة «عصْفها» ولقرارٍ باسترهان مجمل الوضع اللبناني وأخْذه إلى عنق الزجاجة في سياق تهيئة كل ساحات النفوذ الإيراني و«تحمية أرضيّتها» تحضيراً لمرحلة التفاوض بين إدارة جو بايدن وطهران حول الملف النووي وأخواته.
ولم يكن ينقص رقعة الشطرنج البالغة التأزم التي يتحرّك عليها الواقع اللبناني سوى انفجار العلاقة بين إيران وبين فرنسا التي لم تلفظ مبادرتها الداعية لقيام حكومة اختصاصيين من غير السياسيين في لبنان أنفاسَها بعد رغم كل الندوب التي تعرّضت لها منذ إعلانها على وهج «بيروتشيما» الذي ضرب في 4 اغسطس الماضي.
وتعاطت أوساطٌ مطلعة في بيروت مع السجال الذي تطايرت شظاياه امس بين وزيريْ الخارجية الفرنسي جان ايف – لودريان والإيراني محمد جواد ظريف حول الاتفاق النووي والاستئناف المرتقب للمفاوضات الأميركية – الايرانية بعد تَسَلُّم بايدن الحُكم رسمياً بعد غد، على أنه مؤشّر بالغ السلبية حيال ما ينتظر لبنان في الفترة الفاصلة عن اتضاح اتجاهات الريح على خط واشنطن – طهران وصعوبة تَصَوُّر أن يُسمح لباريس، عبر مبادرتها حيال لبنان، بتسجيل اختراقٍ «في ظهر» إيران التي لم تسلّم في الأساس بتسليف فرنسا أي «نقطة» في «بلاد الأرز» بعد اندلاع الأزمة الحكومية، باعتبار أن مقايضاتها تكون مع «الأصيل» أي الأميركي.
ولم يكن عابراً وفق هذه الأوساط ما عبّرت عنه مواقف لودريان ليس فقط لجهة أن إيران بصدد الحصول على أسلحة نووية، «ومن الملحّ القول لإيران إن هذا يكفي» بل أيضاً لناحية ربْط المفاوضات حول العودة إلى الاتفاق النووي بملف الصواريخ البالستية وزعزعة طهران استقرار جيرانها في المنطقة، وهو ما ترافق مع ما نقلته وسائل إعلام اسرائيلية عن ان تل ابيب بدورها ستحاول الضغط من أجل التوصل إلى اتفاق نووي محسّن، يتضمن قيوداً على الإرهاب والصواريخ الباليستية.
وفي رأي الأوساط نفسها أن هذا المناخ الذي سيحكم استئناف المفاوضات الأميركية – الايرانية يشي بالألغام التي تعترضها، وسط انطباعٍ بأن طهران المتمرّسة في لعبة التفاوض والنَفَس الطويل تستعيد، عبر إحياء برنامجها النووي والكلام عن أنها تتقدم في انتاج معدن اليورانيوم ليشكل وقوداً لأحد المفاعلات، معادلةً نجحت معها إبان إدارة باراك اوباما وقامت على مقايضة «النووي بالدور» (في المنطقة) الذي يُعتبر هدفها الذهبي، وهو ما يصعب أن تسلّم به دول المنطقة هذه المَرة هي التي طوّقت حركة بايدن بجسر سلامٍ لا يمكنه التفريط به.