بعد أحتراق مراكب الحلول الداخلية… الخارج سيتدخّل

24 مارس 2021
بعد أحتراق مراكب الحلول الداخلية… الخارج سيتدخّل

بعدما وصلت قلّة المسؤولية من قبل من يعتبرون أنفسهم مسؤولين عن البلاد والعباد إلى مستويات غير مسبوقة أصبح من الضروري في مكان ما أن يتدّخل أحد من الخارج لإنقاذ ما تبقّى في الداخل.

وهذا الخارج، الذي إعتقد حتى الأمس القريب أن لبنان بلغ سن الرشد وقادر على أن يحكم نفسه بنفسه، لم يكن ليتدّخل لإسداء النصائح وتنبيه المسؤولين اللبنانيين إلى خطورة ما هم واصلون إليه لو لم يقطع الأمل في إمكانية التوصل إلى الحدّ الأدنى من حسّ بالمسؤولية والتوافق على تشكيل حكومة “مهمة” تكون بمثابة الخطوة الأولى على طريق الإنقاذ الطويل، الذي يتطلب المزيد من الخطوات الإصلاحية.

وفي هذا الإطار جاءت زيارة السفير السعودي وليد البخاري لرئيس الجمهورية، بناء على طلب رئاسي، بعدما هيأ لهذه الزيارة مستشار رئيس الجمهورية الوزير السابق سليم جريصاتي.

البيان الذي أدلى به البخاري على باب قصر بعبدا كان مكتوبًا ومعدًّا من قَبل الزيارة، وبالتنسيق مع وزارة الخارجية السعودية، عبّر عن موقف المملكة السعودية تجاه لبنان، وهو موقف ثابت لم يتغيّر، سواء بالنسبة إلى رفضها التدخل في الشؤون اللبنانية الداخلية أو في ما يتعلق بموقفها من إتفاق الطائف.

وبالتوازي مع زيارة البخاري لقصر بعبدا وأهميتها ومدلولاتها شهدت الساحة اللبنانية أكثر من تحرّك لأكثر من سفير عربي وغربي في إتجاه القيادات السياسية المعنية، مما يقودنا إلى إبراز أهمية هذه التدخلات، من قبل الدول الشقيقة والصديقة، وذلك بهدف مساعدة اللبنانيين على وقف النزيف، وهذا ما يتلاقى مع دعوة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي الدول الفاعلة إلى عقد مؤتمر دولي عن طريق الأمم المتحدة لمدّ يد المساعدة لبلد يعني لهم الكثير، وقبل أن تصبح الحلول الممكنة اليوم متعذّرة ومستحيلة غدًا، بعدما أقفل المسؤولون بفعل عنادهم وتعنّتهم كل أبواب التفاهم في ما بينهم، تمامًا كما يفعل زوجان غير متفاهمين وغير متفقين عندما يشبّ حريق داخل منزلهما ويهدّده بالإندثار. فبدلًا من أن يتساعدا على إخماد الحريق والإسراع في طلب النجدة ينصرفان إلى معاتبة بعضهما البعض عمّن تسبّب بالحريق ويتلهيان بالشجار وتبادل الإتهامات فيما منزلهما ينهار أمام أعينهما.

فلو لم يتدّخل الخارج لما كان عُقد مؤتمر الطائف، ولما سكت المدفع، ولما كان اللبنانيون توافقوا على إدخال التعديلات الضرورية على نظامهم السياسي، فكان إتفاق الطائف الإطار الجديد لتجديد الحياة السياسية في بلد مزّقته الحرب الأهلية، التي أعاد الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله تذكيرنا بها.

ولو لم يتدّخل هذا الخارج أيضًا لما تعالى اللبنانيون، في الدوحة، على حوادث 7 ايار، ولكانت الحرب الأهلية إندلعت قبل أوانها.

بعد كل هذا وذاك، وبعدما وصلت الرائحة السياسية البشعة إلى الخارج، وبعدما تسابق المسؤولون في نشر غسيلهم الوسخ على سطوح بيروت، وبعد الإتصال بين البطريرك الراعي والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيوس غوتيريس، أصبح في الإمكان القول إن الدول الحريصة على لبنان أكثر من مسؤوليه باتت على قناعة تامة بطرح الراعي، وهي على وشك بلورة صيغة مقبولة غير معرّضة للرفض لكي يتاح لها التدخل من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه في لبنان قبل خراب البصرة، حيث لا يعود ينفع التأوه… “وابصرتاه”.