كتبت ميسم رزق في “الاخبار”: لم يكُن عابراً كلام النائب جبران باسيل عن ترسيم الحدود البحرية جنوباً، يوم السبت الفائت. موقِفه يدفع إلى التوجس. ما تناوله، سواء في الجانب السياسي أو التقني، تقدّم فيه رئيس تكتّل «لبنان القوي» على الآخرين، لأنه الأكثر صراحة في التعبير عن ما يريده، بينما يتحفّظ الآخرون عن الرد. وكلامه أكد أن الملف، بكل تعقيداته، أُدخِل في بازار الحسابات السياسية، وصارَ يُدار بشكل غير مفهوم من الفوضى، كأنه أزمة داخلية عادية، لا قضية استراتيجية – سيادية حسّاسة. بل أكثر من ذلِك، يجري التعامل معه كما لو أنه فرصة في لحظة دقيقة، يُمكن الاستفادة منها لتسوية أوضاعه مع الخارِج.
في الشكل، عرضَ باسيل طروحات يعتبرها سلاحاً لردع «إسرائيل» عن سرقة مياهنا وثرواتنا البحرية. بينما في سطورها، ليسَت إلا تحريكاً لفتائل داخلية جرى قطعها سابقاً، وفي الجانب الآخر منها رسائِل لا يُمكن فصلها عن محاولات باسيل الدائمة إطلاق إشارات للخارج، علّها تستجلِب «عفواً» من العقوبات الأميركية عليه. وإذا كان سعي باسيل لردّ الضغوطات الخارجية عنه مفهوماً إلى حدّ كبير، إلا أن الترسيم – وهو ملف دسم وحصاده وافر – مُفخّخ بألغام لا تحتمِل المغامرة، في حال عدم التنبه إلى العقبات السياسية والقانونية والتقنية والوطنية، ما يوجب التذكير بأن الطرف الآخر في المعركة هو العدو الإسرائيلي.
عدة أمور أتى على ذكرها باسيل في حديثه يومَ السبت الماضي، فتَحت نقاشاً في الكواليس حول هدفها وتداعياتها. وكانت محطّ استغراب، خاصة أنها تتجاوز الجوانب التقنية وتختلف على نحو جذري عن مواقف غالبية القوى السياسية. الأكثر نفوراً فيها هو اقتراحه «تشكيل وفد مفاوض برئاسة ممثّل عن فخامة رئيس الجمهورية وعضوية ممثلين عن رئيس الحكومة والخارجية والأشغال والطاقة والجيش اللبناني، لاستكمال التفاوض مع إسرائيل، ولمراجعة التفاوض مع قبرص، ولبدء التفاوض مع سوريا، وفق معيار واحد وطريقة واحدة بترسيم الحدود»! بهذا الاقتراح لم يأتِ باسيل بأي جديد، بل إن هذه الفكرة سبقَ أن سعى إليها سابقاً قبلَ انطلاق المفاوضات غير المباشرة في الناقورة، حيث كانَ الهدف توسيع الوفد ليضم مدنيين وليس فقط عسكريين، إلا أن حزب الله وحركة أمل يومها رفضا الفكرة التي كادت أن تتسبّب بمشكلة كبيرة بينَ الرئيس ميشال عون وحزب الله، لولا تدارك الأمر في اللحظة الاخيرة. فلماذا يعيد باسيل طرحها بصيغة متجددة مع ربطها بالمفاوضات مع سوريا وقبرص؟ خاصة وأن الحال مع الدولتين المذكورتين يختلف كلياً، لأن لبنان ليسَ على عداء مع سوريا، بينما إعطاء الوفد المفاوض مع «إسرائيل» طابعاً سياسياً، يُعد ثغرة من شأن العدو الإسرائيلي استغلالها والترويج للمفاوضات كما لو أنها مشروع سلام أو تطبيع.
وكشفت مصادر سياسية عن «اتصالات عالية المستوى تجري على هذا الصعيد بينَ القوى السياسية المعنية لتدارك الأمر، قبل الوصول إلى اشتباك جديد حول ملف الترسيم يؤدي إلى تفخيخ هذه القضية من الداخل، بينما هي تحتاج إلى توافق وطني يحفظ سيادة لبنان وثرواته».