لا تزال كلّ الأنظار “مشدودة” بانتظار زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان المقرّرة غدًا إلى لبنان، وسط تقارير “متضاربة” حول جدول أعمال الزيارة، وبالتالي الأهداف المنشودة من ورائها، وما إذا كانت باريس تسعى عمليًا إلى إعادة الاعتبار من خلالها لمبادرتها للحلّ في لبنان، بعدما تعرّضت لخيبات متلاحقة.
ولعلّ أهمية الزيارة تكمن في أنّها الأولى من نوعها منذ تراجع وتيرة الاهتمام الفرنسي بلبنان، مع إلغاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون زيارته التي كانت مبرمَجة أواخر العام الماضي، لتقتصر على بعض التصريحات “الدوريّة” لكلّ من ماكرون ولودريان، تطغى عليها لغة “التأنيب والتحذير”، من دون أن تؤدّي إلى أيّ “خرق”.إلا أنّ “غموضًا” يكتنف زيارة لودريان، بالنظر إلى ما يحيط بها من “التباسات”، بدأت بالإعلان عنها مباشرة بعد “تبشير” لودريان القادة اللبنانيين بعقوباتٍ ستدخل حيّز التنفيذ ضدّ من وصفهم بـ”معطّلي” تأليف الحكومة، قبل أن تتحدثّ تقارير صحافية عن جدول أعمال “ضيّق” للرجل في لبنان لن يشمل سوى رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري.
لودريان “يؤنّب” اللبنانيّين؟
قد لا يكون من الصعب “التكهّن” بأنّ لغة “التأنيب” ستهيمن على “أجندة” وزير الخارجية الفرنسي في لبنان، إذ إنّ هذا الأمر لم يعد بجديد على لودريان، ولو أنّ الاختلاف أنّه لن يكون هذه المرّة “عن بُعد”، بل بشكل مباشر ومن عقر دارهم، حيث سيضغط عليهم مجدّدًا للإقلاع عن المهاترات والانصراف لتأليف الحكومة من دون إبطاء.ولعلّ لودريان سيستغلّ زيارته إلى لبنان ليذكّر بالشعار الشهير الذي كان أول من “ابتكره” منذ ما قبل انفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب، و”تبنّاه” المجتمع الدولي بمختلف فروعه، وهو القائم على معادلة “ساعدونا لنساعدكم”، حيث سيلفت إلى أنّ الجانب اللبناني لم ينفّذ حتى الآن الشقّ المطلوب منه، ولم يبادر إلى إطلاق ورشة الإصلاحات الموعودة، بل بتأليف الحكومة التي ينبغي أن تتصدّى لمثل هذه الورشة.ولن تغيب سياسة “العصا” التي يبدو أنّ باريس ارتأت أن تكون الغَلَبة لها في هذه المرحلة، بعدما أثبتت سياسة “الجزرة” عدم جدواها، حيث سيكرّر الحديث عن العقوبات الفرنسية على عدد من الشخصيات اللبنانية، ولو أنّ “تضاربًا” في الآراء يُسجَّل في هذا السياق، بين قائلٍ بأنّ هذه العقوبات أضحت “أمرًا واقعًا”، وقائلٍ في المقابل بأنّ “احتواءها” لا يزال خيارًا مُتاحًا، وأنّ زيارة لودريان قد تكون “مفصليّة” بهذا المعنى.المبادرة “في خبر كان”؟ يرى أصحاب هذا الرأي أنّ لودريان يأتي إلى لبنان ليمنح المسؤولين اللبنانيين “فرصة أخيرة”، فإما يتجاوبون فورًا مع مسعاه، ويؤلفوا الحكومة في غضون أيام، بل ساعات، وإما يعطون باريس الضوء الأخضر للانتقال إلى “الخطة باء”، من خلال فرض العقوبات، التي يراها الفرنسيّون بمثابة “الخرطوشة الأخيرة” في التعاطي مع لبنان.لكن ثمّة من يرى، في المقابل، انّ هذه “الخرطوشة الأخيرة” لن تصيب عمليًا سوى “قلب” المبادرة الفرنسيّة بحدّ ذاتها، باعتبار أنّ فرض باريس لعقوباتٍ على مسؤولين لبنانيّين، سواء كانوا من طرف واحد أم من عدّة أطراف، قد يُفهَم على أنّه إطلاق “رصاصة الرحمة” على مبادرتهم، خصوصًا أنّ الرهان على أن تنجح العقوبات في ما عجزت عنه الدبلوماسية يبدو بعيد المنال، وما تجربة العقوبات الأميركية، الأقسى والأمرّ، سوى الدليل الساطع.من هنا، لا يستبعد كثير من العارفون أن تؤدي زيارة لودريان إلى بيروت، في حال كرّست مبدأ العقوبات، إلى إعلان “موت” المبادرة الفرنسيّة، بعدما أدّت قسطها للعلا كما يُقال، علمًا أنّ هناك من يعتقد أنّ الفرنسيّين أنفسهم لم يعودوا شديدي التمسّك بها، لكونها تحوّلت إلى “عبء” بالنسبة إليهم، في حين أنّ الظروف والمعطيات الحالية لا تسمح بهدر الكثير من الوقت على ملف لبنان، بدليل انصراف الرئيس ماكرون لشؤونه الداخلية، وتحويله ملف لبنان إلى وزير خارجيته.صحيح أنّ الحكم على زيارة لودريان يبقى سابقًا لأوانه، بانتظار أن تتّضح تفاصيلها، وصحيح أنّ التجربة لا تبدو “مشجّعة” على التفاؤل، بعدما أثبت معطّلو تأليف الحكومة عدم اكتراثهم بالضغوط والتمنّيات. لكنّ الصحيح أيضًا أنّ الزيارة قد تكون “مفصليّة” على خطّ المبادرة الفرنسيّة وصمودها، حتى يصحّ القول الشائع إنّ “ما قبل الزيارة لن يكون كما بعدها”!