كتب جورج شاهين في” الجمهورية”: في إشارة لا بد منها لا يمكن تجاهل توصيف لودريان للقائه مع ممثلي القوى الحزبية والشبابية عندما قال قبَيل مغادرته بيروت انه التقى “اللبنانيين الملتزمين الذين يعملون للمحافظة على مستقبل لبنان ونموذجه المجتمعي، والتعايش والانسجام السلمي بين طوائفه وثقافته وهذا ما يشكل قوة وحدة لبنان وفرادته”. كما ثبت وجود قرار مُسبق بتسمية مَن التقاهم في قصر الصنوبر بصفتهم “القوى التغييرية” بقرار اتخذ سلفاً بالتنسيق بين خليّتَي الازمة في باريس وبيروت بنية تأكيد وجود بديل ممكن لأركان “السلطة السياسية” في بيروت، وإن اتّحَدوا سيشكلون هذه القوة. كما بهدف الفصل بين هذه المجموعة وبقية المجموعات التي تكوّنت عقب ثورة 17 تشرين في اعتبارها الأكثر جدية، وتنظيماً لمجرد انها تجمع عدداً من رؤساء الاحزاب اللبنانية العريقة والنواب المستقيلين بعد انفجار المرفأ.
وفي محاولة لتوصيف اللقاء مع هذه المجموعة رَغب مصدر ديبلوماسي في إجراء تشبيه يطاول مضمونه وتوقيته، فذكّر بزيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون التاريخية للبنان في 6 آب الماضي بعد يومين على تفجير المرفأ، وتوقف عند توجّهه بقرار مسبق الى المنطقة المنكوبة مباشرة من مطار بيروت مُقدّماً لقاءه الشعبي في “شارع غورو” في الجميزة مع اللبنانيين، وتحديداً المتضررين والمنكوبين جراء الانفجار، على لقاءاته مع المسؤولين الكبار في قصر بعبدا. وإن نسي البعض مضمون خطاب ماكرون يومها، فإنّ عليه ان يتذكر كيف خاطب ماكرون اللبنانيين المتحلقين من حوله يناشدون العودة الى “عهد الانتداب” في تلك اللحظة التي تجاوز فيها الجميع تداعيات جائحة كورونا ومخاطر “الاختلاط الشعبي”، معبّراً عن تعاطفه وتقديره للشعب المنكوب قبل ان يظهر اي تأييد او تعاطف مع أركان السلطة الذين لم يقصّر في تحميلهم المسؤولية عما حلّ بلبنان واللبنانيين، مشيراً إلى عجزهم وتقصيرهم بتلبية مطالب شعبهم وحاجاته وفشلهم في الحؤول دون النكبة التي حلت بهم. وهو بذلك جدّد ما كان لودريان قد سبقه اليه في زيارته التي سبقت الزيارة الرئاسية بأسبوعين تقريباً، مُتنبئاً بالكارثة السياسية والاقتصادية التي ستقود إليها السياسات المعتمدة لدى اركان السلطة قبل ان يزيد انفجار المرفأ المخاوف من مجموعة الأزمات التي عمّت مختلف وجوه حياة اللبنانيين.
وختاماً، لا بد من الإشارة الى انّ لودريان احتفظ بكثير من “الصمت المدوي” قبل ان يكرر ما قاله سابقاً قبل الزيارة وهو على مسافة دقائق من رحلته الى باريس. كذلك اثبتت الزيارة وجود قرار مسبق بنية لودريان بعدم عقد اي لقاء مع ايّ من الذين يمكن ان تطاولهم العقوبات الفرنسية من أركان السلطة ومَن أخلّوا بتعهداتهم على طاولة “قصر الصنوبر المستديرة” التي ترأسها ماكرون في 2 ايلول الماضي، ومعهم أفراد من “الصف الثاني” من المستشارين الذين يلعبون أدوارا سلبية، ومنهم ومعهم المتهمون بالفساد. ولا ينكر احد اعضاء فريق الازمة من الفرنسيين ان لودريان كان يرغب في عدم عقد اي لقاء مع أركان السلطة لكنّ احترام باريس للاصول الديبلوماسية فرض عليه الحد الأدنى منها.