خرج الأمين العام لحزب اللّه السيد حسن نصرالله بطرحٍ قديمٍ جديد، مفاده إستيراد النفط الإيراني بالليرة اللبنانية، دون الحاجة إلى إستخدام ما تبقى من الاحتياط النقدي الأجنبي في البنك المركزي، واصفًا المسؤولين اللبنانيين بأشد العبارات متناسيًا أن الحزب هو جزء من السلطة السياسية الحاكمة. لقد أصبح هذا الخطاب إستراتيجية مُتبعة من قبل معظم السياسيين في لبنان لتضليل الرأي العام . ولكن السؤال، لماذا تريد إيران أن تبيعنا النفط بالليرة اللبنانية وهي تعاني من فقدان العملة الأجنبية بسبب العقوبات عليها؟ سؤال يحتاج إلى بحثٍ وتعمق لفهم القضية.
أول عملٍ يقوم به اللبناني، بعد أن يستيقظ من نومه، هو البحث عن سعر الدولار على المنصات الإلكترونية، وأصبحت هذه العملية الروتينية جزءا من حياته اليومية، وبات الدولار سر أرقه وقلقه من الغد.
دخل لبنان نفق لعبة الدولار التي سحقت دولاً أكبر وأغنى من لبنان من حيث المساحة والموارد الطبيعية وعلى رأسها فنزويلا، فلقد مرت فنزويلا بأزمة سياسية خطيرة، جاءت نتيجة مباشرة لإنهيارٍ إقتصاديٍ على المدى الطويل، كما قال تقرير نشرته مجلة «لاكابيتال» الفرنسية.
فلقد ذكر الكاتب نيكولاس غالنت أنه وفقا لدراساتٍ إقتصادية في معهد الاقتصاد العلمي والإدارة الفرنسي «إريك دور»، فإن الأزمة في فنزويلا تعتبر «استثنائية» من حيث الحجم وآثارها الإنسانية والديموغرافية على حدٍ سواء؛ إذ تعاني البلاد من هجرة هائلة، لأن سكانها يعانون من الجوع ومحرومون من الأدوية». وعلاوة على النقص الخطير في الضروريات الأساسية، يواجه الفنزويليون أيضا صعوبات متعلقة بمجال النفط، الذي يعد المصدر الرئيسي لموارد البلاد.
الحالة فنزويلا تشبه لبنان إلى حدٍ كبير من ناحية التضخم، اذ ارتفع العجز العام بشكلٍ ملحوظٍ جدًا، لإن الدولة لم تسيطر على إنفاقها. ومن أجل السيطرة على هذا العجز العام، طبعت كراكاس الكثير من الأوراق المالية، لتنهار بذلك قيمة “البوليفار “مقابل الدولار، مما دفع الفنزويليين إلى تحويل أجورهم من”البوليفار” في السوق السوداء. هذا تماماً ما حصل في لبنان، حيث ان نسبة التضخم وصلت إلى حدٍ قياسي ولا تزال مستمرة في التوسع.
إن حجم الكارثة الإقتصادية الذي سببه ذلك التضخم يعتبر خطيرا جدًا من حيث الإنهيار وإفلاس الشركات والمؤسسات وصرف الموظفين، ولكن الجانب الإجتماعي والأمني والأخلاقي هو اكثر خطورةً من الجانب الاقتصادي، وهذا يضع لبنان على مفترق طرقٍ أسهلها إضمحلال الدولة وسيطرة الميليشيات. واليوم المشهد الحاصل، من فقدانٍ البنزين والتقنين الكهربائي الحاد والتلويح بقطع الأنترنت، وغيرها من المصائب، كلها تعود إلى فقدان الدولار من الأسواق والنزيف الحاد في إحتياطي البنك المركزي.برأي السيد حسن، ان الفكرة التي طرحها سوف تقدم حلاً ممكنًا في المنظور القريب، ولكن إن تعمقنا في هذا الطرح فإن أثاره سوف تكون وخيمة عى لبنان، لعدة إعتبارات، منها معاناة الشعب اللبناني التي تشبه كثيرًا معاناة الشعب الإيراني من حيث التضخم والفقر وإنهيار العملة الوطنية. الشعب الإيراني يعاني من نقصٍ في البنزين ويقف بالطوابير لساعاتٍ امام المحطات وعلى أبواب البنوك.ويفيد بعض المحللين” ان ايران تريد أن تضع حدًا لإستنزاف النقد الأجنبي وخصوصًا ميزانية حزب اللّه ، وان بيع النفط بالعملة اللبنانية سوف تعود إيراداته لحزب اللّه، لكنه سوف يزيد من حالة التضخم، لأن الدولة سوف تطبع المزيد من الليرة كي تشتري النفط بسبب الإزدياد في عجز الموازنة، مما يعني أن تلك الأوراق المطبوعة سوف تتكدس في الأسواق اللبنانية مجددًا وهذا يعني وفرة في النقود وتضخما اكبر وارتفاعا في سعر الدولار”.ويعتبر المحللون” أن حزب اللّه سيحاول تخفيف الأعباء عن بيئته من خلال توزيع النفط الإيراني قدر المستطاع على ابناء بيئته بأسعارٍ زهيدة لتخفيف الأعباء عن كل أنواع الصناعات والتجارة بعدما كان باشر العمل منذ فترة على بطاقة سجاد وطرح السلع الإيرانية في مناطقه، ولكن الأخطر في الموضوع أن مثل هذه الخطوة، وإن قبلت الحكومة اللبنانية فيها، سوف تدخل لبنان في أزمةٍ جديدةٍ لان مثل هذه الخطوة، وبسبب العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة الأميركية على تصدير النفط الإيراني، سوف تعرّض لبنان لعقوباتٍ إقتصاديةٍ قاسية إضافةً إلى إزدياد العزلة اللبنانية عن المحيط العربي والدولي “.إن مثل هذه الحلول ، وعلى رأسها نظرية التوجه شرقًا ، لن تؤدي إلا إلى محاصرة لبنان أكثر وأكثر، بالمقابل هناك رزمةٌ من الحلول التي قد تشكل خارطة طريقٍ حقيقية ولكن هذا لا يعني أننا لن نمر بالنفق المظلم، فالارتطام آتٍ لا محالة فهذا قدرنا للأسف ، ولكن الطرح هذا هو لأجل إعادة لبنان إلى الطريق الصحيح وبداية النهضة مجددًا. واول المطلوب هو انتاج طبقةٍ سياسيةٍ جديدةٍ قادرة على إعادة الثقة إلى المجتمع اللبناني وإعادة الحياة السياسية إلى موضعها الطبيعي ،تشريع قانون إسترداد الأموال المنهوبة ووقف الهدر وعجزٍ الموازنة وإصدار ورقة نقدية جديدة بديلا عن الليرة التي إستهلكت، وإعادة العلاقات اللبنانية الخليجية الى طبيعتها ما سوف يؤدي إلى عودة المستثمرين، ولكن كل هذا يتطلب نية حقيقية من الطبقة السياسية الحالية لإنقاذ البلد بتشكيل حكومة بصلاحياتٍ إستثنائية كي توقف المجزرة الحالية التي لن تُبقِ أحداً.