أين تختفي المحروقات شمالًا؟

9 أغسطس 2021
أين تختفي المحروقات شمالًا؟
إسراء ديب

تستمرّ عمليات تهريب المحروقات من الشمال إلى سوريا بآلاف الليترات يوميًا من دون توقف، ولم ترحم المافيات التي تستولي على هذه العمليات الفاسدة أحوال الشماليين الذين يشتكون من ندرة هذه المواد، فلا تكترث إلّا بتعبئة جيوبها والاستفادة من هذه الأزمة التي شرّعت الدّولة أبوابها بلا حدود، ضاربة بعرض الحائط مصالح المواطنين الذين باتوا يشحذون البنزين والمازوت، وراضية بطوابير الذل التي يبدو أنّنا لن نشهد على نهايتها في القريب العاجل.

ووفق المعلومات، فإنّ المحروقات التي تُهرّب إلى سوريا لا يستفيد منها الشعب السوري بل هم يعيشون في طوابير من الذل أيضًا، وتُؤكّد المعلومات أنّ كلّ من يستفيد من هذه المحروقات هو قريب ومناصر للنظام السوري وكلّ من يدور في فلكه، كذلك القوات الإقليمية والدولية المناصرة لهذا النظام.

لا يُمكن إلقاء اللوم على سوريا حين تُسلّم بعض الأطراف اللبنانية “رأسها” بكلّ قدراتها وإمكانياتها، فهي من تُقدّم خدماتها له مقابل عائدات مالية طائلة، ولكن ما يُمكن تأكيده أنّ الأزمة لم تعد تقتصر على رؤوس كبيرة بقدر ما باتت منتشرة بين الشعب اللبناني.

السوق السوداء تنهش اللبنانيين

تنتشر شمالًا ظاهرة وضع وبيع غالونات من البنزين على الطرقات مباشرة، “وعلى عينك يا تاجر”، دون تدخل من الدولة ودون أن يشعر هؤلاء بخوف من القوى الأمنية، بل بات بعض الأشخاص يضع حوالي 5 غالونات على طرقات رئيسة وأمام القوى الأمنية دون أيّ تدخل منها وبيعها بأكثر من 50 ألف ليرة لبنانية (والأسعار تختلف من تاجر إلى آخر…).

كما يلجأ البعض إلى التوجه إلى محطات البنزين وبعد الانتهاء من تعبئة مركباتهم، يقومون بسحب هذه المحروقات إلى الغالونات خلسة أو علانية لبيعها في السوق السوداء، وهي ظاهرة منتشرة بشكلٍ كبير في شمال لبنان.

ويقول أحد بائعي البنزين على الطرقات لـ”لبنان الكبير”: “هناك الكثير من التجار الكبار يستفيدون من أزمة المحروقات وبعض القوى السياسية هي من تقوم بحمايتهم وتُساندهم في التهريب، فلم لا تقوم الدّولة بالحدّ من التهريب والبدء بمحاربة هذه الرؤوس الكبيرة ثمّ تنتقل بعدها إلى الرؤوس الأصغر كأمثالنا؟”، مشيرًا إلى قيامه بتعبئة البنزين في غالونات وبيعها بأسعار مختلفة، مضيفًا: “ندرك أنّها تجارة محرّمة وهي غير مقبولة ولكنّها تبقى محدودة وعن نفسي أقول إنّني متزوّج وأعيل 6 أولاد، فكيف يُمكنني إعالتهم والدولة لا تُقدّم شيئًا لمواطنيها؟”.

ضغط على محطّات طرابلس

تنعكس هذه الأزمة منذ بدايتها على أهالي عكار، المنية والضنية بشكلٍ واضح، وهي تفاقمت لدرجة كبيرة أدّت إلى بحثهم يوميًا عن المحروقات في محطات البنزين التي غالبًا ما يجدونها مقفلة أو خالية من البنزين. ويُعيد بعض أصحاب المحطات هذه المشكلة إلى قيام بعض المحتجين بتوقيف الصهاريج ومنعها من التوجه إلى المحطّات معتقدين أنّها كانت ستتوجه إلى سوريا، ليضطر الكثير من الأشخاص إلى التوجه لطرابلس وبعض المناطق الشمالية للتعبئة، والبعض الآخر قد يضطر إلى الانتقال إلى محافظات أخرى للبحث عن البنزين أو المازوت.

وتشهد محطات مدينة طرابلس زحمة خانقة اشتدّت في الأيّام الأخيرة، ويقول أبو مالك من منطقة باب التبانة: “للأسف هذه الأزمة أدّت إلى بحث الكثير من الناس عن البنزين في طرابلس لأنّها الأقرب إليهم من جهة، وبسبب شح هذه المواد شمالًا من جهة ثانية، ما ُيُؤدّي إلى زحمة سير خانقة للغاية، فقد كنا نصبر على ساعات من الانتظار للتعبئة أمّا مؤخرًا فقد تضاعف عدد هذه الساعات بسبب اضطرار أهل المنية وبعض مناطق عكار إلى التوجه إلى طرابلس، وهذا ما يجعلنا ننهار بسبب زحمة السير وارتفاع درجات الحرارة والشمس الحارقة وعدم قدرتنا على التوجه لأعمالنا بسبب فترة الانتظار التي لا يُمكننا الاستغناء عنها”.

ويقول محمّد ك. من عكار وهو سائق فان لـ”لبنان الكبير”:

“نحاول دائمًا البحث عن البنزين ولكن غالبًا ما تكون محطات طرابلس مليئة بالسيارات والضغط عليها لا يسمح لنا بالدخول إليها، ما يدفعنا إلى الذهاب إلى محطات في حامات مثلًا للتعبئة”، مشدّدًا على قيام بعض المحطات في بعض المناطق بتوجيه بعض الأسئلة للزبائن لمعرفة المنطقة التي أتوا منها كيّ لا يقوموا بتعبئة المحروقات إلّا لمناطقهم”، مضيفًا:” الشماليون هم من حرموا أنفسهم من المحروقات ودفعوا آخرين إلى معاملتهم بهذا الأسلوب السيئ، وذلك لأنّ بعضهم بات يُتاجر بحقوق الآخرين بكلّ بساطة”.

بدوره، يشتكي أبو حاتم من الانتقال من المنية حيث يعيش وطرابلس، فصحيح أنّه يعمل منذ أكثر من 15 عامًا كسائق أجرة إلا أنّه يعترف أنّ هذه الأزمة كانت قد خنقته هو والمئات من سائقي الأجرة أو الحافلات وغيرها من آليات النقل العام، ويقول: “في أيّام الحرب لم نواجه مثل هذه الضغوطات الكبيرة، أمّا الآن فنحن نرزح تحت ضغوطات اقتصادية ومالية واجتماعية ونفسية، فإذا أردت تعبئة البنزين بعد تقبّلك الوقوف في الطوابير لساعات مثلًا، ستنتظر قبلها لساعات أيضًا منتظرًا فتح الطرقات بعد إقفالها عند البحصاص أو عند البالما أو عند طريق المنية، وهذه آفة تُدمّرنا وتزيد من مشكالنا الكبيرة…”.

المصدر لبنان الكبير