ذكرت “الحرة” ان لبنانيين كثرا في الإمارات العربية المتحدة، يشعرون بالعجز والذنب وهم يشاهدون ما يحدث في بلدهم الذي يسجل انهيارا اقتصاديا غير مسبوق، ويعمل عدد منهم على جمع سلع أساسية وأدوية لنقلها إلى عائلاتهم وأصدقائهم.
وعلى غرار عشرات آلاف اللبنانيين المقيمين في الإمارات، تصف جنيفر حشيمة شعورها بالذنب كلما فكرت بالوضع في بلدها، نظرا للحياة الفارهة وتوافر كل ما ترغب به في الدولة الخليجية.وتسأل الشابة (33 عاما) وهي تتحدث لوكالة فرانس برس “كيف يمكنني الجلوس في بيتي مع مكيف هواء ومع ثلاجة مليئة فيما شعبي وأصدقائي وعائلتي يعانون” في لبنان؟وتقول “أشعر بالذنب والخجل.. وكل ما قد يدفعني إلى زيارة الطبيب النفسي”.
وتتخذ الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة التي يعاني منها لبنان منذ صيف 2019 مسارا تصاعديا، ووصفها البنك الدولي بأنها من بين الأسوأ في العالم منذ عام 1850.وتقدر الأمم المتحدة أن 78% من اللبنانيين باتوا يرزحون تحت خط الفقر، في ظل تضخم جامح وارتفاع نسبة البطالة مع فقدان عشرات الآلاف لمصادر دخلهم.وعلى وقع الأزمة، تراجعت القدرة الشرائية للبنانيين مع انهيار قيمة الليرة بشكل جنوني، وفي ظل قيود مشددة فرضتها المصارف على سحب الودائع.ومع نضوب احتياطي المصرف المركزي بالدولار، تضاءلت قدرة السلطات على استيراد السلع الحيوية، على رأسها الوقود والأدوية، ما أدى الى رفع الدعم تدريجيا عنها. وانعكس شح الوقود بشكل كبير على مختلف القطاعات من مستشفيات وأفران واتصالات ومواد غذائية، وتجاوزت ساعات التقنين في الكهرباء 22 ساعة خلال الأشهر القليلة الماضية.عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يطلق لبنانيون منشورات تدعو العائلات والأصدقاء المقيمين خارج البلاد إلى إرسال مواد مفقودة أو ارتفع ثمنها بشكل كبير على غرار حليب الأطفال ومسكنات الألم والقهوة والفوط الصحية النسائية.حقائب مليئةمع انعدام الثقة بالدولة اللبنانية وقدرتها على وضع حد للانهيار الاقتصادي، قرر لبنانيون أخذ زمام المبادرة لمساعدة أقربائهم وأصدقائهم وحتى معارفهم بجهود فردية.وتملأ حشيمة مع عدد من أصدقائها اللبنانيين حقائب سفر بالأدوية ومواد غذائية أساسية وحاجيات أخرى في كل مرة يقرر أحد معارفهم السفر إلى لبنان.وتوضح “نحاول مساعدة أهلنا وأصدقائنا قدر الإمكان”.وبينما يتهم اللبنانيون الطبقة السياسية بالفساد والعجز، ويحملها المجتمع الدولي مسؤولية عرقلة جهود الإنقاذ، تقول الباحثة في منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية آية مجذوب لوكالة فرانس برس إن الثقة بالحكومة في أدنى مستوياتها.وتعتبر أن “ظهور مبادرات محلية وشعبية لسد هذه الفجوة وتجاوز الحكومة التي يعتبرونها فاسدة وغير فعالة وغير كفؤة، أمر غير مستغرب”.وتتابع “على مدى العقود القليلة الماضية، بدد المسؤولون اللبنانيون مليارات الدولارات من المساعدات الدولية، وقاموا بإثراء أنفسهم وإفقار البلاد” تزامنا مع “إظهار أنهم غير راغبين أو قادرين على توجيه المساعدات الدولية للمحتاجين بطريقة شفافة وفعالة في الوقت المناسب”.وقررت شركة “طيران الإمارات” زيادة وزن أمتعة الركاب المسافرين إلى بيروت حتى نهاية شهر ايلول الحالي، بمقدار 10 كيلوغرام لكل شخص.صدمةبعد زيارتها الأخيرة إلى لبنان، تقول ديما الحاج حسن إنها أدركت حجم الأزمة الإنسانية في هذا البلد.وتروي لوكالة فرانس برس “كنت في لبنان وكان لدي نقود وسيارة مملوءة بالوقود، ذهبت إلى الصيدلية ولم أستطع العثور على دواء لأمي التي كانت تعاني من التهاب في الأذن”.وتوضح “الأمر مختلف تماما عندما تتواجد هناك وترى حياة الناس وتشعر بذنب شديد إزاء طريقة إنفاقك للمال، فأي مبلغ صغير هنا يسمح بشراء علب عدة من الأدوية هناك”.في دبي، تحزم سارة حسن حقائبها استعدادا لرحلة إلى لبنان للمرة الثانية في أقل من شهرين. تكتفي بقليل من الأمتعة الشخصية، وتملأ حقائبها بحاجيات لعائلتها وأصدقائها.وتعدد حسن (26 عاما) من بين ما ستأخذه معها مروحتين هوائيتين مزودتين ببطارية، ومسكنات للألم وفوطا صحية وأدوية للبرد والإنفلونزا ومجموعة من مساحيق البشرة.وتوضح أنه على وقع شح المازوت، يتم قطع الكهرباء التي يوفرها المولد الخاص لعائلتها مرات عدة خلال اليوم، ولذا “اشتريت المروحتين لاستخدامهما في البيت لأن جدتي متقدمة في السن ولا نريد أن تشعر بالضيق”.ويعتزم صديقان لها السفر قريبا إلى لبنان. وتوضح “كلنا نقوم بدورنا ونأخذ كل ما بوسعنا لعائلاتنا” هناك.تستذكر حسن شعورها لدى زيارتها لبنان قبل شهر بعد انقطاع لعامين، وتقول “شعرت بالصدمة”.وتضيف “ترجع إلى هنا إلى منزلك مرتاحا وكل شيء متوافر” وسط “شعور كبير بالذنب لأنه ليس من العدل أن يعاني الناس هناك للحصول على مواد أساسية”.