كتبت كارين عبد النور في نداء الوطن:
«بطلوع الروح»لم تستطع ريتا (اسم مستعار) أن تحبس دموعها. فوالدها نعمة في حياتها ووجوده بالقرب منها يعني لها الكثير. والد ريتا مصاب بمرض السرطان في الرأس كما في الرئتين، وقد صُنّف مرضه في المرحلة الرابعة، وهي طبياً مرحلة متقدّمة لا تهاون فيها مع رحلة العلاج. «كنت أقضي الليل أصلّي كي يُشفى والدي. أما اليوم، فأنا أصلّي كي أتمكن من تأمين دوائه المفقود». وجع ريتا الأكبر: إيجاد الدواء وسط تخبّط في تحديد المسؤوليات. هل هي الشركات المُصنعة أو الوكلاء الموزعين أو وزارة الصحة أو حتى مصرف لبنان؟
حاولت ريتا مراراً وتكراراً الاتصال بوزارة الصحة علّها تجد مخرجاً ما، كما قامت بإرسال بريدين إلكترونيين للوزارة تشرح فيهما الحالة الصحية الحرجة لوالدها وضرورة الاستمرار في تأمين علاجه، لكن من دون جدوى. والحال أنه في كلّ مرة يتوقف فيها الوالد عن تناول الدواء نظراً لعدم توفره، يجد نفسه في غرفة العناية الفائقة في ظلّ تدهور مستمرّ لحالته الصحية.الجمعيات لا تحل مكان الدولةفي محاولة للاستفسار عن دور الجمعيات في الحدّ من أزمة معاناة المرضى وذويهم – والمثالان أعلاه مجرّد غيض من فيض – تواصلنا مع د. رولا فرح، مؤسسة ورئيسة جمعية CHANCE (Children Against Cancer)، والاختصاصية في أمراض الدم والأورام لدى الأطفال. فرح أوضحت أن انقطاع أدوية مرضى السرطان هو بمثابة كارثة حقيقية لأنه يُعتبر الأساس في علاج أي طفل أو إنسان مصاب. وأشارت إلى أنها لم تشهد أزمة مماثلة طوال مسيرة عشرين سنة قامت خلالها الجمعية بمعالجة أكثر من 800 طفل مصاب بالسرطان ومتابعة أكثر من 15 ألف حالة مرضية. «منذ يومين، لجأت إلينا طفلة مصابة بالسرطان وتعاني من نزيف داخلي كاد أن يودي بحياتها، فلم نتمكن من إيجاد أي مستشفى يتوفر فيه الدواء لعلاجها…
إلى الشارع مجدداً؟ماذا عن آخر تطورات التحركات في الشارع المرتبطة بملف تأمين علاج مرضى السرطان؟ في هذا الصدد، كان لـ»نداء الوطن» حديث مع الطبيب الاختصاصي في أمراض الدم والأورام البروفيسور فادي نصر، الذي لفت إلى أن مشكلة القطاع الطبي اليوم هي إدارية بامتياز، إذ لا دواء، لا مستشفيات ولا فحوصات. فنتيجة مباشرة للأزمة، نزل أطباء ومرضى السرطان في آب الماضي إلى الشارع. وعلى الرغم من الوعود التي تلقّوها لناحية تأمين الأدوية كمرحلة أولى حتى نهاية العام 2022، إلا أن تأخّر مصرف لبنان عن توقيع الموافقات المسبقة للشركات المستوردة حال دون تنفيذ تلك الوعود. ويضيف نصر: «لقد قرّرنا التحرك مجدداً الأسبوع الماضي لأننا، كأطباء، لم يعد بمقدورنا تحمل المشهد المأسوي الذي نعيشه مع مرضانا يومياً. لكن وزير الصحة وعدنا بإيجاد حل سريع مع مصرف لبنان. حتى الآن لم تُنفّذ الوعود، وها نحن ننتظر الأسبوع المقبل للتحرك مجدداً». هذا وأبدى نصر استغرابه وتأسفه من أن عدداً من المسؤولين لم يكن- أقلّه حسبما أعلنوا- على معرفة بأزمة الدواء. فقد كان جواب بعضهم: «هل حقاً هناك مشكلة؟».
«المعضلة تكمن في انقطاع بعض أدوية الأمراض السرطانية وارتفاع أسعار البعض الآخر، وتعذر شرائها من الخارج نظراً لتجميد حسابات اللبنانيين»، بحسب نصر. «حتى الميسور في لبنان أصبح فقيراً لا يمكنه شراء دوائه لأن أمواله محجوزة أسوة بالمودعين الصغار». أما بالنسبة إلى دور الجمعيات والمبادرات الفردية، وصف نصر الإمكانيات بالمحدودة خاصة في ظل الضغوطات المرمية على كاهل المغترب اللبناني، إذ لا يمكن تحميله ما يفوق طاقته «وهو بالكاد يمد أهله والمقربين منه بالدواء والمساعدات المالية». هذا من دون أن ننسى أن كلفة العلاج ارتفعت بواقع 30 ضعفاً نظراً إلى تدهور قيمة الليرة، ما جعل عدداً كبيراً من المرضى يقفون مكتوفي الأيدي. وهو ما انعكس تخفيضاً في عدد أسرّة مرضى السرطان في مستشفيات عدة إلى الثلث، على غرار مستشفى جبل لبنان والجعيتاوي وأوتيل ديو، نتيجة تراجع الطلب.وفي وقت يرى نصر أن الحل في لبنان هو سياسي بامتياز، توجّه إلى المعنيين للاستيفاق من غيبوبتهم. وأنهى قائلاً: «لم تحصل من قبل في لبنان أن نطلب من المريض الذهاب إلى بيته كي يموت في سريره لأن العلاج غير مؤمن».
المصدر:
نداء الوطن