كتب نقولا ناصيف في” الاخبار”:مذ اتّخذ قراره هذا في 24 كانون الثاني الفائت، حامت الشكوك مجدداً من حول مصير الانتخابات: تارة بالقول إن من غير الطبيعي القبول بإجرائها في غياب طائفة أساسية كالسنّة، إن لم تقاطعها فهي على الأقل لن تُقبل عليها، وهذا ما لم يقله الحريري الذي أخرج نفسه وعائلته وتياره من الاستحقاق وليس طائفته. وطوراً بالقول إن إفقاد الطائفة السنّية مرجعيتها التمثيلية سيضعها في مهبّ مرشحين مغامرين يخطفون مقاعدها، بلا أي مرجعية تنبثق منهم بعد إقفال صناديق الاقتراع.
يضاعف هذا القلق الاعتقاد الشائع بقرار خارجي جمّد الحياة السياسية للحريري وفريقه إلى إشعار آخر على الأقل، لم يسع الرئيس السابق للحكومة إلا الامتثال له. ليست الإجراءات التي أعلنها تيار المستقبل أخيراً حيال نوابه أو أعضاء فيه يفكرون في الترشح لانتخابات أيار، سوى تأكيد الامتثال الكامل لرئيسه لما دُعي إليه بلا تلاعب أو تحايل أو اجتزاء، بأن خيّر هؤلاء بين عدم الترشح للبقاء في التيار أو الاستقالة منه. عنى مجموع الإشارات التي عبّر من خلالها الحريري عن تسليمه بقرار اعتزاله، ليس الظنّ فحسب بالسعودية بأنها وراء كل ما حدث على أنه استكمال لما لم يكتمل حلقات في 4 تشرين الثاني 2017 والأيام التالية، بل إن الرجل فقد كذلك المرجعية العربية الاحتياطية التي مثّلتها مصر له وللسنّة اللبنانيين، تاريخياً وحديثاً. قيل إن القاهرة أحجمت عن تحديد موعد للحريري لمقابلة الرئيس عبد الفتاح السيسي، كان قد طلبه وهو في طريق عودته إلى بيروت في 20 كانون الثاني.الأكثر مدعاة للقلق، بعد إمرار انتخابات أيار، أن الطائفة السنّية ستبدو كأنها مستبعدة عن الاستحقاق التالي بعد أشهر، وهو انتخابات الرئاسة، فلا تكون عاملاً أساسياً مقرّراً فيها، وتالياً التعامل معها على أنها على هامش هذين الاستحقاقين.كانت السفيرة الأميركية دوروثي شيا أول مَن تلقّف هذه الإشارة وتداعيات إخراج الحريري من المعادلة الوطنية على أبواب استحقاقين دقيقين، يوم اعترفت أمام رئيس الجمهورية ميشال عون، غداة اعتزال الحريري، أنها تحدثت إليه بإلحاح قبل ساعتين من إعلانه قراره، تطلب منه التراجع عنه، فلم يستجب. يومذاك سألت رئيس الجمهورية ماذا يسعه أن يفعل؟