اتسعت في الآونة الأخيرة ظاهرة امتناع المحال التجارية عن قبول البطاقات المصرفيّة كوسيلة للدفع، في سابقة لم يشهدها الإقتصاد اللبناني. بعد عدم تعامل الصيدليات ومحطّات المحروقات بالبطاقات، لجأت السوبر ماركت الكبيرة إلى قبول 50% من الفاتورة عبر البطاقة و50% نقدًا، فيما اشترطت الصغيرة دفع كامل الفاتورة نقدًا. عدد من المطاعم والمؤسسات التجارية عمدت بدورها إلى تجميد العمل بالبطاقة المصرفية.
المشكلة في ذلك لا تكمن باضطرار المواطن إلى حمل أكياس من “الكاش” في رحلته الشاقّة إلى المحال التجارية لشراء حاجاته، أو إلى المطعم في حال أراد تناول الغداء مع عائلته، بل في عدم قدرته على سحب راتبه كاملاً، بفعل السقوف التي وضعتها المصارف على الرواتب، والتي تختلف من مصرف إلى آخر، ما دفع المواطن مرغمًا إلى تحويل القسم المتبقي من راتبه إلى البطاقة المصرفية. ومع التدابير الجديدة سنكون أمام احتجاز جديد للأموال العالقة بالبطاقة المصرفية من دون القدرة على إنفاقها. والخشية في أن تلجأ السوبر ماركت إلى وقف التعامل ببطاقات الدفع بشكل كامل، الأمر الذي يشكّل خطرًا على الأمن الغذائي، خصوصًا أنّ السقف المسموح به في المصارف لا يكفي لسداد فواتير كلّ من المولّدات الخاصة والصيدليات ومحطّات المحروقات، فكيف الحال لو أُضيفت فاتورة المواد الغذائيّة نقدًا؟ كيف سيتدبّر المواطن أمره؟ وهل تعود نقابة أصحاب السوبر ماركات عن قرارها خلال شهر رمضان المبارك؟
السوبر ماركت قد توقف التعامل بالبطاقة المصرفية
نقيب أصحاب السوبر ماركت نبيل فهد أكّد في حديث لـ “لبنان 24” أنّهم مستمرّون بالقرار 50/50 إلى حين حصول تغيير جذري في التعامل مع السيولة بالليرة “كأن تتأمن نقدًا الأموال التي نتقاضاها بالبطاقة المصرفية، أو أن يسمح لنا مصرف لبنان بدفع هذه الأموال للمورّدين ليشتروا بها دولارات عبر منصّة صيرفة. في الوقت الراهن سنُكمل بهذا الإجراء، لا نيّة لدينا بالتراجع عنه، وفي حال بقيت مشكلة السيولة قائمة، من الممكن أن نتوقّف كليًّا عن القبض بالبطاقة المصرفية خلال شهر رمضان أو بعده، إذ من غير المقبول أن تبقى أموالنا محجوزة في المصارف لا نتمكن من استخدامها لشراء مواد غذائّية بدل المُباعة، في حين أنّ المخزون بدأ يتناقص، كما أنّ الأموال التي قبضناها عبر البطاقات خلال الأشهر الثمانية الماضية لا زالت محجوزة”. فهد لفت إلى أنّهم بانتظار قرار الحكومة “اجتمعنا مع رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي الأسبوع الماضي، وقد وعدنا بالبحث عن حلّ لهذه المشكلة”.
عدد من المتاجر والمحال التجاريّة الكبيرة وبعضها يعمل ضمن شركات عالمية، أوقف بدوره التعامل بالبطاقات المصرفية، في خطوة فاجأت العاملين والزبائن، وفق ما يقول لنا أحد الموظّفين “عمدت الإدارة فجأة إلى إبلاغنا عدم قبول البطاقة وذلك بعد أزمة “فرنسبنك”، حتّى نحن كموظفين لطالما كنّا نشتري بالبطاقة، لم يعد يُسمح لنا بذلك”. محال أخرى وضعت سقوفًا محدّدة للدفع بالبطاقة، كأن تكون الفاتورة بدءًا من مليون وخمسمئة ألف ليرة وما فوق، بالمقابل متاجر كبيرة أزالت ماكينة الدفع الالكتروني الـPOS.
بطاقات الشراء بلا جدوى
حصر التعامل بالنقدي يضرب مفاعيل التعميم 158 الذي يمنح المودع جزءًا من الكوتا الشهريّة المخصّصة له ببطاقة قابلة للشراء فقط وليس للسحب النقدي. ممثلو النقابات والقطاعات التجارية يلقون باللوم على المصارف، بحجة أنّ المورّد يشترط قبض ثمن البضاعة “كاش”، والمصارف تشكو بدورها، كون مصرف لبنان يقنّن تزويدها بالكاش، لاعتبارات تتعلّق بتخفيف الكتلة النقدية ولجم التضخم.
غبريل: لا عذر بعدم قبول البطاقاتبطبيعة الحال، تؤيّد المصارف التعامل بالبطاقات المصرفيّة، كونه إجراء يساعد على انتظام العمل المصرفي، خصوصًا أنّنا نتجه منذ بداية الأزمة نحو اقتصاد نقدي، هو معاكس للتوجّهات العالميّة وغير صحي للإقتصاد يقول كبير الإقتصاديين في بنك بيبلوس الدكتور نسيب غبريل في حديث لـ “لبنان 24″، معتبرًا أنّ لا عذر للمحال التجارية بعدم قبول البطاقات “صحيح أنّ لدى التجار أموالًا بالليرة في المصارف، ولكن غير صحيح أن ليس لديهم كاش، إذ أنّ جزءًا من إيراداتهم هي بالنقدي، فهناك زبائن ليس لديها بطاقات وتدفع كاش. ولكنّهم يخزّنون الليرات ويعمدون إلى شراء الدولار بها على منصّة صيرفة، في حين يعمد البعض إلى استبدالها بشيكات لتغطية ديونه لدى المصارف بعشرين بالمئة من قيمتها”.يرى غبريل أنّ هناك خيارات في حال أرادوا مساعدة المواطن والنهوض بالإقتصاد “أن يدفع حاملو البطاقة السعر المعروض، ويُحسم نسبة تترواح بين 10 و 20% لمن يريد الدفع نقدًا، هذا منصف للجميع. وهناك استغلال للوضع لفرض البيع بالكاش فقط، ولا نتحدث هنا عن المحال الصغيرة أو تلك الموجودة في المناطق النائية، هناك مؤسسات قادرة على التعامل بالبطاقات بهذه الطريقة”.يلفت غبريل إلى أنّ التجّار عمدوا إلى تسعير مبيعاتهم وفق دولار السوق الموازية وأعلى، قبل أن يقترب سعر هذا السوق من سعر منصّة صيرفة، بحجة الإستيراد وعدم إمكان التكهّن بالأسعار العالمية وسعر الصرف في السوق المحلي، وعندما انخفض سعر الصرف بنسبة 30% لم يخفضوا الأسعار بالنسبة نفسها. كما أنّهم يدفعون الضرائب ورسوم الإستيراد وفق سعر الصرف الرسمي، مستغربًا عدم وجود ردّات فعل على وقف المحال التعامل بالبطاقات على غرار ما يحصل من حملات حيال المصارف.
البواب: ليتدخّل مصرف لبنان لتأمين السيولة بالليرةوقف التعامل بالبطاقات المصرفية ليس أمرًا عابرًا، والمستهلك لن يكون المتضرر الوحيد من حصر التعامل بالكاش، بل البائع أيضًا، هذا الواقع سيؤدي إلى تراجع كبير في حجم المبيعات لاسيّما في الكماليات، وسيقنن المواطن في شراء الضروريات بما فيها الأدوية والمواد الغذائيّة، بما يرفع من وتيرة الجمود في حركة الأسواق التجارية ومجمل الدورة الإقتصادية، يقول الخبير الإقتصادي الدكتور باسم البواب لـ “لبنان 24” مشدّدًا على وجوب تدخّل مصرف لبنان بشكل سريع لتأمين السيولة بالليرة، لاسيّما بعد أن وصلنا إلى وضع بات معه الشيك اللبناني يُصرف بخسارة تصل إلى 30%، وهو رقم لا يقوى التجّار على تحمّله، أمّا الدولارات فمحجوزة في المصارف، والمواطن الذي يملك دولارات في منزله يقنّن في استخدامها، ويعمد إلى المحافظة عليها أطول فترة ممكنة، لاسيّما في حالة عدم الثقة.