قد يكون من بين أكثر الأمور سهولة على بعض السياسيين التهجّم على الحكومة وتحميلها مسؤولية أخطاء لم ترتكبها، بل هي نتيجة تراكمات متتالية كان لجميع الذين إشتغلوا بالسياسة، وبالأخص في الفترة الأخيرة، مساهمات في وصول الوضع اللبناني إلى حيثما وصل، وإلى هذا الإنهيار غير المسبوق، والذي لم تعد تنفع معه المعالجات العادية، بل يتطلب الأمر إتخاذ تدابير وإجراءات إستثنائية غير متوافرة، وذلك بسبب الإنقسام العمودي في البلد، وبألأخص في ظل الخلافات الجانبية بين هؤلاء المسؤولين، الذين أدّت سياساتهم الخاطئة وخياراتاهم غير الصائبة إلى كل تلك البلاوي التي يعيشها جميع اللبنانيين من دون إستثناء، إذ لم يعد ينفع التلطي خلف حجج واهية لتبرير الفشل في إدارة شؤون البلد على مدى سنوات.
فأفضل طريقة للدفاع عن النفس ان يلجأ هؤلاء السياسيون إلى الهروب للأمام. ولذلك لم يجدوا سوى التهجّم على الحكومة وتحميلها وزر فشلهم والطلب منها أن تفعل في فترة قصيرة من الزمن ما عجزوا عن تحقيقه طوال سنوات.
فالحكومة عملت بكل قوتها على تقديم الدعم المطلق للقوى الأمنية والجيش، وجهدت على خط تعزيز علاقات لبنان مع الدول العربية الشقيقة والدول الأوروبية، ووأعطت الأولوية لتعزيز التواصل مع المُجتمع الدولي للمساهمة في مواجهة ما يعانيه لبنان من كوارث إقتصادية، وتوصلت إلى تفكيك الألغام من أمام إجراء الانتخابات النيابية في موعدها.
والتزمت الحكومة بتعهداتها لجهة دفع التفاوض مع صندوق النقد الدولي للوصول إلى اتفاق على خطة دعم منه، ووضع خطة لإصلاح القطاع المصرفي وإعادة هيكلته حيث يلزم، وتنشيط الدورة الاقتصادية بما يساهم في تمويل القطاع الخاص بفوائد مشجعة، مع إعطاء الأولوية لضمان حقوق وأموال المودعين. وقامت بأكثر من خطوة في مجال تصحيح الرواتب والأجور في القطاع العام بمُسمياته كافة، بعد دراسة أخذت في الاعتبار الموارد المالية للدولة ووضعية المالية العامة، بالإضافة إلى تفعيل عمل لجنة المؤشّر وإجراء ما يلزم بهدف تصحيح الأجور في القطاع الخاص. فما الذي حصل وما هي الأسباب حالت دون تمكّنها دون تحقيق كل ما وعدت به؟ الموازنة أشبعت درسًا وتمحيصًا في سلسلة إجتماعات متواصلة على مدى أسبوعين سواء في السراي الحكومي أو في القصر الجمهوري، وأحالتها على مجلس النواب، الذي عليه أن يقرّها قبل إنتهاء ولايته وقبل دخول النواب في “زمن الحملات الإنتخابية”، وكذلك فعلت بالنسبة إلى مشروع قانون “الكابيتول كونترول”.
وعلى رغم هذا التباطوء المجلسي فإن مفاوضات الحكومة مع صندوق النقد الدولي قد شارفت على نهايتها، مع العلم أن وفد الصندوق الذي زار لبنان أبلغ جميع الذين إلتقاهم بضرورة مواكبة خطوات الحكومة بإجراءات تشريعية وإقرار الموازنة العامة وقانون “الكابيتول كونترول”.
أما في ما يتعلق بالتحقيقات في إنفجار مرفأ بيروت فـ”الشمس طالعة والناس قاشعة”، ولا لزوم للتذكير بمواقف من لا يريد الوصول إلى الحقيقة المطلوبة من أهالي الضحايا أولًا ومن جميع اللبنانيين ثانيًا، ومن المجتمع الدولي ثالثًا.
فما يحصل في طرابلس من توترات أمنية متفرقة، وإن كانت فردية وعائلية، موجّه ضد الحكومة أولًا وضد الذين يصرّون على إجراء الإنتخابات مهما كان الثمن ثانيًا.
وزير التربية والتعليم العالي عباس الحلبي كان واضحًا حين إعتبر أن التطاول على الحكومة وتحميلها مسؤولية ما حصل في البلاد امر غير مقبول، مشيراً الى ان القوى السياسية المشاركة في الحكومة لا تساندها للقيام بالإصلاحات المطلوبة.