في هذا اليوم المجيد، وهو العيد الكبير، عيد قيامة الرب يسوع من الموت، بعد جلجلة طويلة وجلد ومسامير وإكليل شوك وصلب ودفن، تغيب شمس الأرض لتشرق أنوار الحقيقة الساطعة، حقيقة الإيمان، حقيقة سرّ الوجود وسرّ البقاء.
في هذا اليوم الآتي بعد صوم وإماتة الذات ومسيرة من الرجاء، يقف اللبنانيون جميعًا أمام هذا الحدث، الذي لم يحدث سوى مرّة واحدة في التاريخ، ليطلبوا ممن غلب الموت بالموت أن يأخذ بكلتا يديه المطبوعتين بالمسامير لبنانهم وينزله من عن صليبه ويقيمه من مطامير التراب فـ”تقوم القيامة”.
فبعيدًا عن السجال الآني المحصور بحصول هذه الجهة على نائب من هنا وأكبر كتلة نيابية من هناك، مع أن طبيعة الأمور تؤكد أن الإنتخابات حاصلة لا محال، لا بدّ من أن يكون هذا الإستحقاق المفصلي غير تلك الإستحقاقات السابقة. فهو يسبق إستحقاقًا آخر لا يقّل عنه أهمية.
منذ أن كانت وثيقة الوفاق الوطني، وفيها بنود أساسية لم تُطبّق، لا يزال لبنان يتخبّط بأزمات لا تُعدّ ولا تُحصى، والتي لا تزال تحول دون وصول لبنان إلى برّ الآمان والخروج من أزماته المتوالدة، لدرجة أنه لا يكاد ينتهي من مشكلة قائمة، هذا في حال التوصل إلى حل نهائي لها، حتى يكتشف عند كل مفترق مشكلة جديدة. وهكذا دواليك، حتى تكاد تصبح المشاكل المتراكمة تحاصر المواطنين أينما أتجهوا وأينما حلّوا.
فلا قيامة لهذا الوطن إلاّ بما يمكن أن يضع حدّا نهائيًا لمشاكله المستعصية، التي لم تعد تنفع معها المسكنات الموسمية. ولا قيامة له إلاّ بما يؤّمن له مستقبلًا خاليًا من عثرات الماضي وما فيه مآسٍ لا تزال ماثلة للعيان وشاهدة على عقم المعالجات القائمة على التسويات وأنصاف الحلول والتفتيش عن الظهر في منتصف النهار، وبالتالي العمل على التأسيس لمستقبل آمن من خلال الفرص الضائعة.
التاريخ وحده سيكون الشاهد، وهو الذي سيحكم ويحاكم. قد تكون الفرصة اليوم أكثر من سانحة، وهي لن تعود كذلك غدًا وبعده.
15 أيار فرصة سانحة أمام الناس التواقّة إلى التغيير، وقد لا تتكرّر، لكي يحسنوا الإختيار عندما يقفون وراء العازل أمام صمائرهم. في هذه اللحظة الحاسمة على كل مواطن أن ينتخب من يرى أنه جدير بحمل الوكالة المعطاة له، وأن يكون في وسعه نقل صوت الناس إلى البرلمان، وأن ينطق بإسمهم، وأن يشرّع بإسمهم، وأن يحاسب الحكومات إذا أخطأت ولم تلبِ ما يصبو إليه اللبنانيون.
في 15 أيار يجب أن تقوم القيامة، ويجب أن يكون هذا اليوم بداية التغيير الذي لا بدّ منه في النهاية لتستقيم الأمور، ولكي تبدأ مسيرة إستعادة الدولة، وهي مسيرة تتطلب الكثير من الصبر والكثير من التضحيات.
ولكي تقوم القيامة لا بدّ في البداية من تغيير جذري، وإن بتدرج، في ذهنية إدارة الدولة. لم يعد بمقدور اللبنانيين تحمّل أكثر مما تحمّلوا حتى الآن. ولأنه لم يعد لديهم ما يخسرونه، بعدما خسروا كل شيء، عليهم أن يختاروا ما هو صحّ. هذا الكلام لا نقوله للمواطن العادي غير الحزبي و”الطالع دينو” من الأحزاب، بل نضعه برسم الحزبيين، إلى أي حزب إنتموا. هؤلاء يرون أن الآخرين، أي جميع الذين ينتمون إلى الأحزاب الأخرى، فاسدين ومفسدين، وهم الذين أوصلوا البلاد إلى ما وصلت إليه من إنهيار ما بعده إنهيار. أمّا حزبه فهو الوحيد “النظيف”، وهو أبعد ما يكون عن الفساد. فالشعارات الإنتخابية التي نسمعها أو نراها على الطرقات تؤكد لنا أن “الجميع قابرين الشيخ زنكو سوا”.
القيامة يجب أن تقوم الآن وليس غدًا، وإن لم تقم اليوم فعبثًا نحاول لاحقًا، لأننا نكون قد أضعنا فرصة ذهبية لن تتكرر، على الأقل في السنوات الأربع المقبلة.