لن نكون شركاء في الجريمة!

3 مايو 2022
لن نكون شركاء في الجريمة!

لافتًا كان كلام مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان في خطبة عيد الفطر المبارك، حيث شدّد على الانتخابات النيابية المنتظرة في غضون أقلّ من أسبوعين “فرصة للتغير”، منبّهًا من خطورة الامتناع عن المشاركة فيها، باعتبار ذلك “الوصفة السحرية لوصول الفاسدين السيئين إلى السلطة”، وداعيًا إلى المشاركة “الفعلية الكثيفة” في “اختيار الصالحين”، وبالتالي قطع الطريق أمام “السيئين”.

 
لم يكتفِ المفتي دريان بذلك، بل تحدّث عن “جريمة” يفضي إليها “تكرار الأخطاء”، وفق وصفه، وشدّد على أنّ “الشكوى من الفساد ومن الفشل في الإدارة لا تكون بالكلام فقط، وإنما تحتاج إلى عمل”، وذلك لا يتمّ بالامتناع عن المشاركة في الانتخابات، بل باختيار نواب صالحين وأكفاء، وهو الأمر الذي يشكّل “المدخل إلى الإصلاح المنشود”، على حدّ وصفه، ولا سيما أنّ “اليأس ممنوع”، بل هو “استسلام للفشل والفساد، وبالتالي انتحار وموت”.
 
صحيح أنّها ليست المرّة الأولى التي يدعو فيها مفتي الجمهورية صراحةً إلى المشاركة في الاقتراع، في ظلّ حديث يتزايد منذ فترة عن “مقاطعة سنّية” قد تصطدم بها الانتخابات، فقد فُسّرت مواقفه في العديد من الأوساط على أنّها “رسالة” إلى تيار “المستقبل” تحديدًا، الذي يميل نحو الترويج لخطاب “المقاطعة”، منذ إعلان رئيسه سعد الحريري تعليقه المشاركة في العمل السياسي، وعزوفه بالتالي عن خوض الانتخابات.
 
موقف واضح
 
لعلّ ما عزّز هذه التفسيرات تمثّل في الموقف الذي أطلقه تيار “المستقبل” من خلال منسّق عام الإعلام فيه عبد السلام موسى الذي أكّد التزام التيار بقرار الحريري الخروج من دوامة الصراع على سلطة أغرقت البلاد بالويلات السياسية والاقتصادية، مشدّدًا على أنّ جمهور الأخير في كلّ لبنان “لن يقبل في لحظة مفصليّة أن يتحوّل إلى مكتب انتخابي لقوى حزبية وسياسية فقدت ثقتنا بها منذ سنوات”.
 
ومع أنّ موسى لم يذكر كلام المفتي دريان من قريب أو من بعيد، فإنّ خطابه بدا بالنسبة لكثيرين كمن “يبرّر” خيار المقاطعة، حيث اعتبر أنّ هذه الانتخابات ستقدّم لـ”حزب الله” شرعية ينتظرها منذ سنوات، وستمنحه “نافذة يطل منها على شرعية لم تتكرس له بعد”، مشدّدًا على أنّ تيار “المستقبل” لن يكون “شريكًا في هذه الجريمة”، على حدّ وصفه، وأنّ جمهور التيار “لن يكون جسرًا يعبر فوقه الحزب فوق أنقاض الشرعية”.
 
ويقول المحسوبون على التيار “الأزرق” إنّ موسى لم يُدلِ بجديد، بل هو كرّر الموقف الواضح لتيار “المستقبل”، والذي أعلنه رئيسه سعد الحريري منذ اليوم الأول لعزوفه، والذي لم يَحِد عنه رغم كلّ حملات “الترغيب والترهيب”، ورغم كلّ الادعاءات والفبركات والإشاعات، وقوامه أنّ التيار لا يمكن أن يكون “شاهد زور” على انتخابات يُراد منها إعطاء “صكّ براءة وشرعية” لمعسكر “حزب الله”، وهو ما يتأكّد أكثر فأكثر يومًا بعد آخر.
 موقف موجَّه ضدّ المفتي؟
 
لكنّ المحسوبين على “المستقبل” يجزمون أنّ كلام منسّق الإعلام ليس موجَّهًا ضدّ مفتي الجمهورية، وليس على الإطلاق ردًا على ما صدر عنه، لأنّ التيار كما يقولون يتفهّم الحيثيات التي انطلق منها واستند إليها الشيخ دريان، وهو لا يعتبر أساسًا أنّ خطبة الأخير كانت موجَّهة ضدّه، ويشدّدون على أنّ القواسم المشتركة بين التيار والمفتي “أكثر من أن تعدّ أو تحصى”، وهي تتقاطع بشكل أساسيّ عند “الثوابت”، وهو ما يبقى الأساس.
 
ويشير المتحمّسون لـ”المستقبل” إلى أنّ الأخير أراد، من خلال موقفه التوضيحيّ، “حسم الجدل” المُثار في الأيام الأخيرة حول حقيقة مقاربته للشأن الانتخابي، وبالتالي وضع حدّ لكلّ التسريبات التي تحدّثت عن “انقلاب” في التعاطي الانتخابي للتيار “الأزرق”، حيث حاول البعض إشاعة أجواء بأنّ الحريري سيدعو جماهيره إلى الإقبال بكثافة على صناديق الاقتراع قبل الخامس عشر من أيار، والتصويت بكثافة للوائح محدّدة ومعيّنة.
 
ولذلك، يُعتقَد أنّ “المستقبل” الذي بات البعض يشير إليه بالإصبع لناحية دعمه لشخصيات ولوائح معيّنة في العديد من المناطق، أراد أن يؤكد مرّة أخرى أنّه يتعامل بـ”حياد تام” مع الانتخابات، وذلك استعدادًا لدور “المعارضة” الذي يودّ لعبه بعد اكتمال البرلمان المقبل، ولو أنّ مؤشرات عدّة تؤكد أنّه “داعم” لبعض اللوائح، من خلف الطاولة، لا “كرمى لعيون” أعضائها بالضرورة، ولكن “بغضًا” للوائح أخرى وشخصيات “متمردة”، قد يكون الرئيس فؤاد السنيورة على رأسها.
 
يقول العارفون إنّ “لا تناقض” بين كلام المفتي عبد اللطيف دريان وموقف الرئيس سعد الحريري، فالأول يرفض “إخلاء الساحة” لـ”الفاسدين”، فيما الثاني يرفض “التصديق” على تسليم البلد إلى معسكر “حزب الله”، وفق ما تؤكد الأجواء المرافقة للانتخابات. هكذا، يبدو الاختلاف في “التكتيك” ليس إلا، لكنّه “تكتيك” يُبنى عليه الكثير في مرحلة فاصلة ودقيقة من تاريخ لبنان، وفق ما يؤكد الجميع!