كتبت “الديار” ان مداولات خطيرة جرت في بروكسل قبل ايام في مؤتمر المانحين للاجئين السوريين، حيث تتولى الولايات المتحدة الترويج لثلاثية “الانخراط، والاندماج، والتوطين”، وقد عاد الوفد الرسمي اللبناني باجواء سلبية للغاية تنذر بما هو اخطر في ظل «تواطؤ» دولي منقطع النظير، وسط انعدام الخيارات لمواجهة ما بات يطلق عليه “الاتراك” “الاحتلال الصامت”.
ففيما تغرق الدولة اللبنانية في معمعة الانتخابات التشريعية، «دق» وزير الشؤون الاجتماعية فيكتور حجار «ناقوس الخطر» في مجلس الوزراء بالامس ازاء ما لمسه في بروكسل من «تواطؤ» دولي فاضح برعاية اميركية، لدمج اللاجئين السوريين في اماكن اللجوء، ومنها لبنان، وقد ساهم اصراره في الجلسة على مناقشة هذا الملف الخطير الى اطلاق رئيس الجمهورية ميشال عون موقفا علنيا رافضا ومحذرا من خطورة استخدام هذا المصطلح في الاروقة الدولية.
ووفقا لاجواء الوفد اللبناني الذي شارك قبل ايام في المؤتمر، كانت الاجواء العامة شديدة السلبية ازاء عودتهم الى بلادهم، وكان لافتا عدم اكتراث كافة الوفود المشاركة بالاوضاع الصعبة للدول المضيفة لهؤلاء، وكانت الفضيحة في اجواء التوتر التي سادت في القاعة التي ضمت نحو 200 مندوب بعد كلمة الوزير حجار الذي رفع «الصوت» عاليا في مواجهة تجاهل المجتمع الدولي لمسالة العودة.
وبحسب معلومات «الديار»، لمس الوفد اللبناني الرسمي وجود خطة دولية ممنهجة لابقاء اللاجئين في الدول المضيفة، ومنها لبنان تحت عنوان الدمج، وكانت الوفود المشاركة واضحة في رفض عودتهم الى سوريا، بحجة ان البلاد لا تزال غير آمنة، ولم يجد الشرح اللبناني حول وجود مناطق آمنة آذانا صاغية. وفي المقابل طلب من لبنان كما الدول الاخرى المضيفة، منح اللاجئين الاقامة، كمقدمة لدمجهم في المجتمع، ومنحهم تصاريح عمل وصولا الى منحهم معاشات تقاعدية وتعويضات الشيخوخة. وكان لافتا عدم اكتراث الوفود الدولية المشاركة بامكانيات الدول وقدراتها المادية والاقتصادية، وخصائصها الديموغرافية، كما هو الحال في لبنان، بل الاسوأ من ذلك ثمة تجاهل فاضح لكل التقارير الرسمية اللبنانية، في المقابل يتم الالتفاف على موقف الدولة اللبنانية عبر بعض الجمعيات الشريكة لهم واعتبارها شفافة على عكس الدولة اللبنانية التي يتم التشكيك في تقاريرها والتي اعتبرت غير «شفافة».
وفي مؤشر على وجود قرار دولي حاسم بتلزيم الدولة اللبنانية ملف اللاجئين السوريين، كان الوفد الاميركي اكثر وضوحا «ووقاحة» خلال لقائه مع وزير الشؤون الاجتماعية على هامش مؤتمر بروكسل، بالشكل كان اللقاء وديا، لكن في المضمون لم يكن هناك اي تطابق في الافكار وطالبوا «بالانخراط والاندماج والتوطين» دون الاكتراث لاي من الهواجس التي اسهب الوزير في شرحها.ووفقا للمعلومات، يتعرض وزير الشؤون لضغوط دولية لتوقيع الخطة الوطنية للحماية الاجتماعية التي اعدت من قبل مجموعات من المجتمع المدني واليونيسف ومنظمات دولية اخرى، مع العلم انه يصرّ على تعديلها لانها تحمل في طياتها توطينا مقنعا للاجئين، حيث لم تتم الاشارة الى اللاجئين او النازحين في لبنان، فهم يتحدثون عن «قاطنين» في لبنان دون ان يتحدثوا اصلا عن الشعب اللبناني، ويقترحون اقرار تعويضات عن البطالة لكل «القاطنين» وكذلك صرف تعويضات عن الاعاقة، والشيخوخة وغيرها من الحقوق التي تحمل في ظاهرها طابعا انسانيا، كفرض قبول المثليين وزواجهم، الا ان الاخطر يبقى تمرير عملية الدمج غير معلن للنازحين واللاجئين باعتبار لبنان وطنهم النهائي.ووفقا لاوساط وزارية مطلعة على الملف، تحمل وزير الشؤون حملا ثقيلا منذ 8 اشهر، وهو اختار في الجلسة ما قبل الاخيرة للحكومة رفع الصوت في مجلس الوزراء، بعد سلسلة من الاجتماعات البعيدة عن الاضواء مع عدد من المسؤولين الروحيين، والسياسيين، والعسكريين، كي يتحمل الجميع مسؤولية ملف شديد الخطورة، ويبقى ان تتحرك الدولة اللبنانية على نحو ثنائي باتجاه دمشق لايجاد ارضية صالحة لتفكيك هذه «القنبلة الموقوتة»، لان الرهان على المجتمع الدولي في غير مكانه، ومن التقى الوزير حجار وسمع مداخلته يدرك حجم «اليأس» من امكانية حصول اي «اختراق» في المحادثات مع الدول المانحة.! ولفتت تلك الاوساط الى ان ما يطرح من دمج اعاد موضوع اللاجئين السوريين إلى صدارة النقاش السياسي في تركيا، ما يفتح الباب أمام توترات اجتماعية داخل تركيا لن يخرج منها أحد رابحاً، وهو امر سيحصل في لبنان عاجلا او آجلا. فما تطرحه احزاب المعارضة يلقى آذانا صاغية لدى معظم الاتراك الذين باتوا مقتنعين ان اللاجئين يخرّبون «النسيج الاجتماعي» ويشكلون خطراً على «البنية الثقافية والأخلاقية للمجتمع التركي». ولا يكمن الحل في إدماجهم بل في ترحيلهم حتى لو كانت غير طوعية وفي شروط غير آمنة. فالاتراك يخشون بان القسم الأكبر من اللاجئين سوف يبقى في تركيا، فقد مضى على وجودهم ما بين 11 ـ 8 سنوات، وأسسوا حياة جديدة، وثمة جيل كامل ولد في تركيا ولا يعرف غير اللغة التركية، ولم ير البلد الأصلي لأهله أبداً، وقد اصبح التعبير الرائج لدى الرأي العام لوصف الوجود السوري بانه «الاحتلال الصامت».