صحيح أنّ “رئيس السنّ” في مجلس النواب الجديد نبيه برّي لم يَدعُ بعد إلى الجلسة الأولى للبرلمان المخصّصة لانتخاب رئيسه ونائبه واختيار هيئة المكتب، وأمامه مهلة أكثر من أسبوع قانونيًا لذلك، إلا أنّ الأكيد أنّ “ساعة الجدّ” قد حانت، لتسدل الستارة على مرحلة “المهرجانات” التي تلت الانتخابات، وما تخلّلها من تسابق على “الكتلة الأكبر”، فضلاً عن “مزايدات” لا تقدّم أو تؤخّر شيئًا في المعادلة.
انتهى زمن “المهرجانات”، إن جاز التعبير، ومعه أيضًا انتهى زمن “التعارف” على بعض النواب الجُدُد، الذين كان من حقّهم ربما أن “يحتفوا” بما حقّقوه من “انتصارات” على امتداد دوائر لبنان الانتخابيّة، من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، فكانت “البروباغندا” الإعلامية التي هيمنت على المشهد مفهومة، مع إطلالات مكثّفة لنواب “التغيير” الذين لم يغادر بعضهم الشاشات، بل “تنقّل” بعضهم بين برامج الشاشة الواحدة.
انتهى كلّ ذلك، وحانت “ساعة الجدّ”، لتنبئ ببدء العمل البرلماني، في ضوء سلسلة “استحقاقات” أقرب إلى “التحديات” تنتظر النواب، القدامى منهم والجدد، في القادم من الأيام، قد تكون انتخابات رئيس المجلس ونائبه، التي يكثر الحديث حولها هذا الأسبوع، “أسهلها وأيسرها” على الإطلاق، رغم كلّ “الغموض” المحدق بها، وسط مخاوف جدية من “شبح التعطيل” الذي قد يفرض نفسه على الاستحقاقات التالية، مُدخِلاً البلاد في “فراغ” قد يكون “قاتلاً”!
استحقاقات بالجملة
لن يكون انتخاب رئيس مجلس النواب إذًا، على “تعقيداته”، في ظلّ الانقسام الذي أفرزته الخريطة الجديدة للبرلمان التي انبثقت عن الانتخابات النيابية الأخيرة، والتصلّب في مواقف بعض الكتل، خصوصًا المسيحية منها، صعبًا، حيث يدرك الجميع أنّ نبيه بري “راجع”، لغياب أيّ مرشح “بديل” يمكن أن يطرح نفسه، طالما أنّ جميع النواب الشيعة يغرّدون في سربه، ما يجعل المعركة “محصورة” بعدد الأصوات التي سيحصل عليها الرجل، لا أكثر.
من هنا، لا يبدو أنّ هناك “خطرًا” يحوم حول الاستحقاق الجديد الذي ينتظر النواب، وإن كان “الترقب” سيد الموقف لمقاربة بعض الوجوه “التغييرية” الوافدة إلى البرلمان فيه، وتعاملهم مع المرشحين لمختلف المناصب، إلا أنّ هذا “الخطر” يصبح “أمرًا واقعًا” بعد إنجاز هذا الاستحقاق، لتبدأ “التحديات” التي ستلقى على كاهل المجلس، ومنها ما يمسّ الناس مباشرةً، ربطًا بخطة التعافي المالي، في ظلّ الارتفاع “الجنوني” للدولار في الأيام الأخيرة.
وإذا كان تكليف شخصية لتشكيل الحكومة من “التحديات” الأساسية التي تنتظر المجلس، في ظلّ “تباين” حول طبيعة الحكومة التي يفترض أن تكون ولايتها “قصيرة”، نظريًا وافتراضيًا بالحدّ الأدنى، فإنّ “التحدي الأكبر” يبقى انتخاب رئيس جمهورية جديد، وهو تحدٍ يخشى كثيرون أن “يطيح” بالبرلمان المنتخب برمّته، إذا لم يكن قادرًا على اختيار “خَلَف” للرئيس ميشال عون، وسط سيناريوهات وتكهّنات لا تنتهي، أقلّها بقاء الأخير في قصر بعبدا.
“فراغ” في الأفق
من الحكومة إلى الرئاسة، ثمّة هاجس أساسي يؤرق الكثيرين، وهو أن يحلّ “الفراغ” على كلّ المؤسّسات، في ظلّ “سيناريو” يطرحه البعض، حول “تعطيل” يمكن أن يكون “متعمّدًا” لتشكيل الحكومة، بانتظار “استحقاق” انتخاب رئيس الجمهورية، ما سيؤدي إلى طرح “جدلية” انتقال صلاحيات الرئاسة إلى حكومة “غير أصيلة”، في حال عدم انتخاب رئيس جديد، ما قد يشكّل “ذريعة” لتمديد يتطلّع إليه البعض، ولو أنكره حتى الآن.
لذلك، فإنّ “تحدّي” تشكيل حكومة جديدة سيكون “امتحانًا” للجميع في الأمد المنظور، في ظلّ “التطلّع” إلى استشارات نيابية لا يفترض أن يتأخّر رئيس الجمهورية في الدعوة إليها، ويرجّح أن يحصل ذلك بعد جلسة البرلمان الأولى، في ظلّ اختلاف في الآراء حول كيفية التعامل معها، خصوصًا أنّ القاصي والداني يدرك أنّ تكليف شخصية ما لتشكيل الحكومة ليس سوى “أول الغيث”، وللبنانيين تجارب “مريرة” في هذا السياق.
وإذا كان صحيحًا أنّ “التركيبة” الجديدة للبرلمان يمكن أن تفرض هوية رئيس الحكومة، فإنّ الخوف يبقى من موقف “التيار الوطني الحر” الذي استبق رئيسه الوزير السابق جبران باسيل الاستشارات لينعى فكرة “التكنوقراط”، علمًا أنّ بين يدي الأخير “ورقة قوة” يخشى البعض أن يستخدمها لتجميد الاستحقاق بالدرجة لأولى، وهي تقوم على “توقيع” رئيس الجمهورية على مراسيم تشكيل الحكومة، وهنا تحديدًا يكمن بيت القصيد.
هكذا، توحي كلّ الأجواء أنّ كلّ الطرق تؤدي إلى “الفراغ”، الذي يراه كثيرون “المصير الطبيعي” للاستحقاقات الداهمة، إذا لم يسبقها توافق شامل على ما يشبه “السلة المتكاملة”، إن جاز التعبير. لكن، قد يكون من المفيد أن يتذكّر نواب الأمّة أنّ مثل هذا الفراغ، في الظرف الحالي، لن يشبه أيّ “فراغ” سابق، فهو ينذر بمخاطر بل “كوارث” آتية، ليس “انفجار” سعر الصرف في الأيام الأخيرة سوى “مقبّلات” على خطها!