الواقع النيابي الجديد الذي أفرزته الإنتخابات يجعل الإستحقاقات المقبلة غير سهلة المنال، بعدما تغيّرت موازين القوى النيابية، وخُلطت الأوراق السياسية، وإحتدم الخلاف على الأولويات بين مكّونات المجلس النيابي، بدءًا من الإستحقاقات المجلسية، مرورًا بتسمية رئيس جديد للحكومة، وصولًا إلى إنتخاب رئيس جديد للجمهورية.
فإعادة انتخاب الرئيس نبيه بري محسومة بغض النظر عن رمزية “الأعداد” التي سيحصل عليها، فيما المعركة الحقيقية، والتي لها أبعاد سياسية، هي على نيابة رئاسة المجلس، وهي التي ستكشف ميزان القوى وكيفية توزيع الأصوات، في أول إختبار فعلي بعد الإنتخابات.
في الظاهر تبدو المعركة متمحورة بين مرشحين مركزيين: غسان حاصباني مرشح “القوات اللبنانية” التي تسعى الى إجتذاب تأييد قوى مستقلة وتغييرية، والياس بو صعب مرشح “التيار الوطني الحر” الذي تربطه علاقة صداقة شخصية مع بري، ولكن معركته تنتظر تفاهمًا من تحت الطاولة، لم تنضج ظروفه مع أرجحية حصوله خصوصًا إذا تدّخل “حزب الله” لرأب الصدع بين بري وباسيل.
ولكن ثمة معلومات تشير إلى تقدّم فرص “خيار ثالث” يدور بين مرشحين: ملحم خلف المنتمي الى كتلة النواب “التغييريين” وتربطه في الوقت عينه علاقة جيدة بالرئيس بري. ولكن خلف مضطر لأن يخطو خطوة الى الخلف نتيجة ما يتعرّض له من ضغوط من داخل معسكر التغيير والمجتمع المدني، ونتيجة حالة الإرتباك وعدم الجهوزية السياسية لدى قوى التغيير لخوض معارك كبيرة الآن.
أما الإسم الآخر الذي قفز الى “الواجهة الخلفية” كمرشح حل وسط، فهو نائب البقاع الغربي غسان سكاف الذي التقاه المطران الياس عودة قبل أيام، وهو ينتمي الى منطقة حجزت نيابة رئاسة المجلس لسنوات، ويُحسب سياسيًا من ضمن كتلة جنبلاط ولا يشكل تحديًا واستفزازًا لأحد، مع تقدّم حظوظ النائب العكاري سجيع عطيه كحلّ وسطي بعيدًا عن الإصطفافات الحزبية.
لكن المعركة الفعلية ليست في مجلس النواب وهيكليته الجديدة، وإنما على الحكومة الجديدة، والإستحقاق الحكومي هو الذي يشكّل محور الصراع السياسي في المرحلة المقبلة، مرحلة نهاية العهد، وهو الإستحقاق الأهم على رغم أن عمر هذه الحكومة لن يتعدى خمسة أشهر، في أحسن الأحوال.
فالمعركة الحكومية هي “بروفا” للمعركة الرئاسية ومن يربح في الأولى يعزز موقعه في الثانية. وفي حال لم يتم انتخاب رئيس جديد للجمهورية، خصوصا مع تبّدل الأكثريات وتعثّر التسويات، فإن هذه الحكومة ستكون حكومة إدارة الفراغ الرئاسي وعمرها سيكون طويلًا، ومهمتها دقيقة في ظل ظروف وأوضاع خطيرة.
الحكومة هي محور الصراع الآن. وهذا ما يفّسر كيف أن “حزب الله” طرح سريعا حكومة وحدة وطنية، وكيف أن “القوات اللبنانية” دعت على الفور الى قيام حكومة أكثرية تحكم مقابل أقلية تعارض، وكيف أن “التيار الوطني الحر” رفع سقف المفاوضة والمقايضة على رئاسة المجلس، بحيث لا يقتصر على نيابة رئاسة المجلس وإنما يتجاوزها الى الحكومة المقبلة.
جديد هذه القضية ما طرحه رئيس الجمهورية لناحية إعادة تسمية الرئيس نجيب ميقاتي على رأس الحكومة القائمة الحالية، والتي دخلت مرحلة تصريف الإعمال، وذلك لإستكمال ما كانت قد بدأت به. ويستند الرئيس عون في طرحه هذا على ما لمسه من رئيس الحكومة من تعاون وجدّية في مقاربة الملفات والطريقة التي عولجت بها، خصوصًا أن مواصفات حكومة “معًا للإنقاذ” تُلبَّى دعوات المجتمع الدولي إلى إجراء إصلاحات سريعة، على أن تكون البداية من حيث إنتهت إليه الجلسة الأخيرة للحكومة، أي ملف الكهرباء على اساس رؤية واضحة لا لبس فيها، وذلك تمهيدًا لوضع خطة التعافي والإتفاق مع صندوق النقد والحوار الوطني على السكّة الصحيحة، لأن البديل، وفق مصادر سياسية مطلعة، دخول البلاد في مرحلة فراغ على مستوى السلطة التنفيذية، مع إحتدام التجاذبات السياسية على خلفية “الأكثريات” و”الأقليات” والخلاف الذي سيتخذ مظهرًا مختلفًا بين محورين متناقضين مع الإقتراب أكثر فأكثر إلى موعد الإستحقاق الرئاسي في الخريف المقبل، والإقتراب من مرحلة الإرتطام الكارثي.