إسرائيل تهدّد لبنان توازيًا مع زيارة الوسيط الأميركي.. ماذا يعني ذلك؟!

13 يونيو 2022
إسرائيل تهدّد لبنان توازيًا مع زيارة الوسيط الأميركي.. ماذا يعني ذلك؟!


فيما لا يزال رئيس الجمهورية ميشال عون “يتريّث” في الدعوة إلى الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس حكومة جديد، بموجب الدستور، تتّجه كلّ الأنظار إلى ما يمكن أن تحمله زيارة الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين، الذي يحطّ في بيروت بناءً على طلب لبنان، بعد “الاستفزاز” الإسرائيلي الذي تمثّل في وصول سفينة يونانية لإنتاج الغاز إلى حقل كاريش، في منطقة متنازع عليها مع لبنان، ما يضرب “مبدأ” المفاوضات بعرض الحائط.
 
لكن، قبل أن تبدأ هذه الزيارة، وتتبلور مفاعيلها على مستوى ملف الحدود البحرية، استوقفت المتابعين تهديدات تكاد تكون الأولى من نوعها منذ فترة طويلة، خصوصًا لجهة سقفها العالي، وقد صدرت عن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي، الذي تحدّث عن “آلاف الأهداف” التي جرت بلورتها وسيتمّ “تدميرها” في الحرب مع لبنان، زاعمًا أنّ جيشه سيعطي تحذيرًا مسبقًا لسكان الحدود اللبنانية للمغادرة قبل نشوب الحرب عمليًا.
 
وتثير تصريحات رئيس أركان الجيش الإسرائيلي التي جاءت بعد أيام من خطاب الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله وجّه خلاله تهديدات واضحة لإسرائيل في حال المضيّ باستفزازاتها للبنان، وإن تفاوتت “قراءاته”، الكثير من علامات الاستفهام، عن مآلاته ودلالاته، وما إذا كان يؤشّر إلى محاولة إسرائيلية لـ”الضغط” على لبنان توازيًا مع زيارة الوسيط الأميركي، أم أنه يدلّ في مكانٍ ما على أنّ الحرب تقترب عمليًا.
 
“الحرب” مستبعَدة؟
بالنسبة إلى العارفين، فإنّ خيار “الحرب” لا يزال مُستبعَدًا، أقلّه من الناحية النظرية والافتراضية، باعتبار أنّها ليست في مصلحة أيّ من أطراف المعادلة في الظرف الحاليّ، وما “لجوء” لبنان إلى الوسيط الأميركي في مسعى لتسوية النزاع من خلال القنوات الدبلوماسية سوى الدليل على ذلك، ولا سيما أنّ الولايات المتحدة ودول الغرب متمسّكة بعدم زعزعة الاستقرار في لبنان لأسباب واعتبارات كثيرة، من بينها ما يرتبط باللاجئين.
 
وإذا كانت إسرائيل سعت إلى استغلال ما يمكن وصفه بـ”التخبط الداخلي” حول ملف ترسيم الحدود، لتسجيل نقطة على حساب لبنان في نزاعها البحري معه، معيدة إحياء ملفّ “نام” في الأدراج اللبنانية منذ تجميد المفاوضات غير المباشرة، فإنّ التهديدات التي صدرت عنها لا تبدو برأي كثيرين جدية، بقدر ما تشكّل ردًا على تصعيد السيد حسن نصر الله الأخير، واستخدامًا لعامل “الترهيب”، إن جاز التعبير، على لبنان، لعلّه يشكّل “ورقة ضغط” في المفاوضات.
 
وفي هذا السياق، يرى البعض أنّ إسرائيل بتهديداتها التي صدرت عشيّة زيارة هوكشتاين، تهدف ربما إلى دفع المسؤولين اللبنانيين إلى تقديم “تنازلات” بما يتيح العودة إلى طاولة المفاوضات، لكن من موقع “قوة”، خصوصًا أنّ المواقف التي صدرت خلال الأسبوع الماضي، ومن قوى ترفع لواء “الخصومة” مع “حزب الله”، انطوت على رسائل معبّرة، قد يكون أهمّها وجوب الاتحاد من أجل “مقاومة” أي مخططات إسرائيلية، استنادًا إلى نقاط القوة التي يملكها لبنان.
 
المنطقة “ملتهبة”
لكن، أبعد من ملف ترسيم الحدود البحرية “المشتعل” بين لبنان وإسرائيل، قد يكون من المفيد مقاربة ارتفاع نبرة التهديدات بين الجانبين من زاوية أخرى، تبقي كلّ الاحتمالات مفتوحة على مصراعيها، بالنظر تحديدًا إلى واقع المنطقة التي تبدو “ملتهبة” على أكثر من محور وأكثر من جبهة، ولا سيما بين إيران وإسرائيل مثلاً، حيث أضحت الرسائل المتبادلة “واضحة” ولم تعد “مشفرة” كما كانت على امتداد الأشهر الماضية.
 
بهذا المعنى، فإنّ ما يجري على حدود لبنان البحرية قد لا يكون “معزولاً” عن “اشتعال” المحاور في المنطقة، توازيًا مع التطورات الإقليمية المستجدّة، والتي وصلت إلى “الذروة” في اليومين الماضيين، في ظلّ الحديث عن “انهيار” مفاوضات الملف النووي بين إيران والولايات المتحدة، بعد “جمود” استمرّ لأسابيع طويلة، وصولاً إلى التسريبات الإسرائيلية عن نشر تل أبيب لمنظومة رادارات في دول في الشرق الأوسط وإيران.
 
ويبدو أنّ الأمر لم يعد محصورًا بالتهديدات، مع استهداف إسرائيل مثلاً المباشر لمطار دمشق قبل يومين، وحديث تل أبيب في المقابل عن “إحباط” هجوم إيراني ضدّ أهداف إسرائيلية في تركيا، التي سبق للمسؤولين الإسرائيليين أن حذّروا من السفر إليها، ما يجعل المخاوف “مشروعة” برأي كثيرين، أن يستخدم الجانبان الساحة اللبنانية مرّة أخرى لتصفية حساباتها، أو بالحدّ الأدنى، لـ”اختبار قوتهما”، ولو أنّ مثل هذا الاحتمال لا يزال بعيدًا.
 
قد تكون “سخونة” المشهد الإقليمي حاضرة على خطّ ملف ترسيم الحدود البحرية، الذي أعيد فتحه بشكل مفاجئ، مع الخطوة الإسرائيلية المستفزّة، ولو أنّ البعض كان يتوقّعها عاجلاً أم آجلاً، لكنّها ينبغي أن تكون “حافزًا” للبنان إلى القفز فوق اختلافاته وتبايناته، والخروج بموقف موحّد يواجه كلّ التهديدات، لأنّ ما يكفيه من استحقاقات غير شعبيّة كافٍ، وقد لا يحتمل أحد أن يضاف إليها بند “حربي” في الوقت الحاليّ!