كتب طوني عيسى في” الجمهورية”: الصورة الحالية توحي بضياع داخلي شبه كامل. فالحكومة تصرّف الأعمال، ورئيسها ويتخبّط القادة المسيحيون مجددًا على أبواب بعبدا، فيما الجمهورية كلها تتعرّض للاهتزاز بسبب الزلازل الإقليمية- الدولية.
ولعلّ المؤشر الأكثر خطورة هو الدرك الذي بلغه الانهيار المالي والنقدي وانعكاساته على الواقع الاجتماعي وقدرة المؤسسات على الاستمرار. فالإضراب الذي ينفّذه القطاع العام بات يهدّد فعلًا بقطع آخر أنفاس الدولة واختناقها.
والتفكير الوحيد الذي يعتمده المعنيون حتى اليوم هو الآتي: تعطيل كل خطة إنقاذ وكل إصلاح وكسب الوقت ومحاولة تعويض الخسائر وتعويم المصارف ومالية الدولة من جيوب الناس أنفسهم.
ويقول الخبراء في شؤون المال، إنّ سياسة استنزاف الودائع، من طريق «هيركات» يجري تنفيذه بشكل خبيث، وبموافقة القوى السياسية إجمالًا، يُراد منها تخفيف الخسائر إلى الحدّ الأدنى، من دون اعتماد أي إصلاح أو الركون إلى أي مراجعة أو محاسبة، قبل الاتفاق النهائي مع صندوق النقد. وما يجري اليوم على مستوى وزارة المال ومصرف لبنان والمصارف يصبّ في هذا الهدف.
وضمن هذه الرؤية، يتمّ الضغط على الناس ليستهلكوا ما بقي في حوزتهم من دولارات قليلة. وهناك مسعى حثيث لتسعير السلع والخدمات كلها بالدولار بشكل واضح، فيما يتمّ التضييق على حاملي الليرة أو «اللولار»، بحيث يصبح استخدامهما محدودًا، ويتأرجح وضع «منصة» صيرفة. وهذا يعني أنّ الغالبية العظمى من اللبنانيين، العاملين في القطاعين العام والخاص، باتوا من دون رواتب تقريبًا، وسيكونون مضطرين إلى الصمود بالحدّ الأدنى وبما بقي معهم من دولارات قليلة، لن تكفي إلّا لأسابيع أو أشهر قليلة في أحسن الأحوال، فيما الأزمة تبدو بلا أفق.
ولأنّ الدولة عاجزة عن خلق توازن بين مدفوعات المواطنين بالدولار ورواتبهم بالليرة، فإنّ هذا الواقع سيدفع إلى المزيد من الشلل في المؤسسات العامة، ما سيجعل الدولة جثة حقيقية، بإدارات ووزارات لا تصرّف الأعمال.
وليس في الأفق ما يسمح بتحقيق انقلاب في مستوى الرواتب، أي برفعها لتصبح بالدولار موازية لمستوى الاستهلاك الجديد. ولذلك، ستتفاقم الأزمة وتُكرّس الفوضى الشاملة التي يخشى كثيرون أن تقع في الخريف.
حتى اليوم، لا ملامح حلول لأي أزمة، ولا حتى محاولات للمعالجة الموضعية. ومن المقلق أن يجتاز لبنان أخطر المراحل التي يمرّ فيها الشرق الأوسط والعالم، وهو مقتنع بالبقاء في موقعه العاجز على قارعة الرصيف. ومن البديهي في هذه الحال أن تحاول القوى المتنازعة دفعه إلى هذا الخيار أو ذاك، ولاسيما في ملف تقاسم النفط والغاز، الذي سيزداد سخونة في الأسابيع والأشهر المقبلة.
وسيحتاج الأمر إلى معجزة كي ينتقل الطاقم السياسي اللبناني من وضعية الفشل والرضوخ للمصالح الخاصة والفئوية إلى وضعية الاقتناع بالحل الإنقاذي، وخلال مهلة قصيرة لا تتجاوز الثلاثة أشهر. وبعيدًا من الأوهام، لا تلوح سوى هواجس خريف لبناني تلفحه الفوضى… إلّا إذا كان هناك فعلًا مكان لمعجزة تظهر فجأة.