الرئيس ليس من الصفّ الأول… والبدائل كُثُرٌ

1 أغسطس 2022
الرئيس ليس من الصفّ الأول… والبدائل كُثُرٌ


مع بداية شهر آب “اللهاب” يمكننا القول إن الإستحقاق الرئاسي قد دخل مرحلة العدّ العكسي للبحث في الأسماء الممكنة. فالإتصالات غير المباشرة، وحتى المباشرة بدأت في عملية جوجلة أسماء المرشحين المؤهلين، الذين تنطبق عليهم مواصفات المرحلة.  

وهذه العملية إفتتحها الرئيس نبيه بري مع رئيس تيار “المردة” الوزير السابق سليمان فرنجية، قابلها إتصال رئيس الحزب “التقدمي الإشتراكي” وليد جنبلاط مع مسؤول وحدة الإرتباط والتنسيق في “حزب الله” الحاج وفيق صفا، واللقاء “السري” في باريس بين رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل في باريس ومستشار الرئيس الفرنسي لشؤون الشرق الأدنى باتريك دوريل (لم ينفه “التيار”)، واللقاءات التي تعقدها السفيرة الفرنسية آن غريو مع جهات رسمية وسياسية، من بينها أكثر من لقاء مع عدد من المسؤولين في “حزب الله” في الضاحية الجنوبية. 
 وتوحي أجواء هذه الحركة السياسية والظروف المحيطة بالإستحقاق الرئاسي بالإستنتاجات والملاحظات التالية:  
أولًا، يتم التداول بالترشيحات الى رئاسة الجمهورية بأربعة أسماء: سليمان فرنجية، قائد الجيش العماد جوزف عون ، رئيس حزب “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع، النائب جبران باسيل.  
فالأخيران، وعلى رغم عدم إعلان ترشيحهما رسميًا، يتعاطيان مع الإستحقاق الرئاسي من منطلق أنهما مرشحان طبيعيان وبحكم تمثيلهما المسيحي، إستنادًا الى نتائج الإنتخابات النيابية الأخيرة، في حين يتحرك فرنجية على خلفية أنه المرشح الفعلي، وهو الوحيد الذي يجاهر بسعيه الى رئاسة الجمهورية، ويتصرف على أساس أنه “مشروع رئيس”. أما العماد عون فلا يُظهر أي رغبة علنية للترشح، لا بل يبدو ميالًا الى الإبتعاد عن الأضواء الرئاسية والتزام الحياد الصامت وعدم التفاعل مع أي موقف مؤيد لترشيحه أو معارض لوصوله إلى بعبدا. 
ثانيًا، يتصّدر فرنجية المشهد الإنتخابي الرئاسي بصفته متقدمًا في السباق الى قصر بعبدا، ومستندا الى تأييد “الثنائي الشيعي”، وعدد لا بأس به من النواب السنّة، وإمكانية قبول من جنبلاط الذي أبقى باب الأخذ والردّ مفتوحًا. ولكن بمقدار ما ينطلق فرنجية من وضعية أو أرضية إسلامية مريحة، فإنه يفتقر الى وضعية وبيئة مسيحية حاضنة، مع وقوف الكتل والأحزاب الأساسية ضد انتخابه. وهذا الأمر لا يقتصر على “القوات” و”الكتائب”، وإنما يشمل أيضا “التيار الوطني الحر” وعددا من النواب المستقلين، خصوصًا أن الوساطات المتحركة بين فرنجية وباسيل لم تصل الى نتيجة حاسمة بعد. ومن الواضح أن عناصر الصفقة الرئاسية بين الطرفين ليست جاهزة ومكتملة، وأن تدخل “حزب الله” أدى الى مصالحة الطرفين ولكن لم يؤ ِد الى معالجة أزمة الثقة بينهما، وأدى الى كسر الجليد وفتح الخطوط ولكنه لم يؤ ِد الى فتح “طريق الرئاسة” أمام فرنجية. 
ثالثًا، لا يزال حلم الرئاسة يراود جبران باسيل، لأنه يعتبر أن حظوظه ليست معدومة وإنما موجودة وضعيفة، ولذلك فهو لن يقدّم رئاسة الجمهورية على طبق من فضة لفرنجية، خصوصا أن حظوظ الأخير بالرئاسة يتوقف بالدرجة الأولى على تأييد باسيل الذي يطالب، على ما يبدو، بثمن كبير، فيما فرنجية يتفادى إعطاءه أي إلتزام أوتعّهد، لئلا يكرّر تجربة “إتفاق معراب”. 
رابعًا، في حال سلك ترشيح فرنجية طريقه الى مجلس النواب وبدا أنه خيار جّدي لدى “حزب الله” وحلفائه، وأن ترشحه ليس للمناورة وإنما للتنفيذ، فإن فريق المعارضة لـ”حزب الله”، والمو ّزع بين “سياديين” وتغييريين” ومستقلين ليس أمامه في هذه الحال إلا البحث عن مرشح مواجهة والإتفاق عليه لإحداث توازن في وجه مرشح الحزب، وبالتالي يجب أن يكون مركز إستقطاب وجذب ومتمتعًا بقدرة ومواصفات تمكّنه من أن يكون المرشح الجامع. وهذا ما كشفه جعجع في آخر حديث إعلامي له.  
لما كان وصول فرنجية الى رئاسة الجمهورية يصطدم بعقبات كثيرة أولها “عقبة باسيل – جعجع، فإن مرشح “الضفة الأخرى” يصطدم بعقبة “حزب الله”. وهذا الأمر يقود إلى إستنتاج وحيد وهو “التعادل السلبي” بين الفريقين، بإعتبار أن كل فريق يملك فرضية “الثلث المعطِّل”.   
عندها يصبح الإنتقال الى خيار “الرئيس التوافقي” واردًا ومطروحًا بقوة كخيار وحيد للخروج من الأزمة، ولتفادي الفراغ الرئاسي. وفي خانة المرشحين التوافقيين، يجري التداول بأسماء محدودة ويجري تصنيفها تبعًا لمواصفات المرحلة الإنتقالية، من حيث الأولويات الإقتصادية والإصلاحية والأمنية. 
الخلاصة الوحيدة التي يمكن إستنتاجها من كل هذه الحركة أن تجربة “الرئيس القوي” لم تعد صالحة، وأن الحظوظ الرئاسية للأقطاب الموارنة أصبحت تقارب حدود الصفر.