لا شيء في الأفق يوحي بأن الإنتخابات الرئاسية ستحصل في موعدها الدستوري. والحديث عن ترجيح وقوع البلاد في الفراغ الرئاسي، وإن لفترة وجيزة، بدأ يتنامى في الأوساط السياسية، مع تصاعد موجة التسريبات، التي تشير إلى أن الرئيس ميشال عون لن يسّلم البلاد إلى الفراغ، وكذلك فهو لن يسلّم صلاحياته إلى حكومة تصريف أعمال. وهذا يعني بالمختصر المفيد أن البلاد مقبلة على فترة لا تُحسد عليها، خصوصًا أن شهر أيلول، وهو الشهر الذي يُفترض أن يشهد أكثر من جلسة نيابية لإنتخاب رئيس جديد، هو شهر الإستحقاقات الصعبة، سياسيًا وإقتصاديًا ومعيشيًا.
في أيلول يُفترض أن يعود الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين إلى بيروت بجواب إسرائيلي حول المقترحات اللبنانية. وعلى هذا الجواب يتحدّد مسار المرحلة التالية. فإذا كان إيجابيًا يعود الطرفان المفاوضان، برعاية أميركية، إلى محادثات الناقورة غير المباشرة توصلًا إلى توقيع إتفاقية نهائية لترسيم الحدود بما يتناسب مع الطروحات اللبنانية.
أمّا إذا كان الجواب سلبيًا، أو إذا تبيّن للبنان أن تل أبيب تناور لتقطيع الوقت في إنتظار إنتخاباتها النيابية المبكرة، فإن الأمور ستؤول إلى المزيد من التصعيد، خصوصًا أن الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله” سبق له أن حدّد شهر أيلول كآخر مهلة للتفاوض قبل أن يصبح الخيار العسكري من بين الخيارات المتقدّمة على الخيارات الديبلوماسية.
كذلك فإن شهر ايلول هو شهر عودة اللبنانيين المغتربين إلى أوطانهم الثانية، ما يعني أن الحركة الإقتصادية التي كانت ناشطة في فصل الصيف ستنحسر تدريجيًا، خصوصًا أن ثمة إستحقاقات أخرى على الأبواب، ومن بينها عودة التلامذة والطلاب إلى المدارس والجامعات، بعدما فرضت جزءا من أقساط العام الدراسي المقبل بـ”الفريش” دولار، وهو أمر يتخطّى قدرة الموظف العادي، وبالأخص الموظف في القطاع العام، الذي يلوح بالعودة إلى الإضراب المفتوح من جديد.
وبالعودة إلى الإستحقاق الرئاسي فإن المرشح الوحيد الجدّي حتى الساعة هو رئيس تيار “المردة” الوزير السابق سليمان فرنجيه، الذي بدأ تحركّه الرئاسي من بكركي ومن عين التينة، على أن يستكمل حركته في أكثر من إتجاه، وذلك بعد أن يفكّك ثلاث عقد أساسية قبل حلول أيلول:
العقدة الأولى تتعلق بموقف رئيس الحزب “التقدمي الإشتراكي” وليد جنبلاط، والتي من المفترض أن يعمل على حلها الرئيس نبيه بري الذي يحتفظ بعلاقة ممتازة ومميّزة مع زعيم المختار، مع العلم أن لقاء جنبلاط بوفد “حزب الله” لم ينتج عنه ما يطمئن في هذا الشأن، على أن يُستكمل الحديث الرئاسي بين الطرفين في لقاءات لاحقة.
العقدة الثانية تتعلق برئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل، وسط وجود توّجه لدى “حزب الله” لإستثمار عامل الوقت بهدف تليين موقفه فتعديله. ويعتقد كثيرون أن التفاوض مع باسيل الآن شيء وترك هذه المهمة الى حين بدء العد العكسي، أي مع مطلع شهر أيلول، شيء آخر، إذ يمكن عندها أن يلعب عامل الوقت لمصلحة خفض السقف السياسي المرتفع لباسيل.
العقدة الثالثة تتمثّل بالطرح المستجد لرئيس حزب “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع بالتو ّجه الى تعطيل النصاب، خصوصا أن مبدأ مقاطعة الإنتخابات من خلال عدم تأمين نصاب الثلثين بدأ يأخذ حيّزًا واسعًا من التفهّم بين الكتل المعارضة على أنواعها في حال بدا أن حظوظ فرنجية اقتربت من الإكتمال.
وعليه، فإن الفراغ حاصل لأسباب خارجية وداخلية، وستكون محل تفصيل غدًا.