خلال الأشهر الماضية التي تلت الانتخابات النيابية، بدا لافتاً التباين في وجهات النظر حول المرحلة المقبلة بين كل من “التيار الوطني الحر” و”حزب الله”، الامر الذي تسبّب في إشاعة امكان حصول تصعيد في العلاقة بين الطرفين يؤدي الى زعزعة التحالف الثابت، قابله بضع تحليلات تحدّثت عن اعادة ترتيب الاوراق المشتركة بينهما على قاعدة خوض الحياة السياسية وفق اولويات مختلفة.
ترى أوساط سياسية متابعة للتطورات الحاصلة بين “التيار الوطني الحر” و”حزب الله” أن العلاقة بين الطرفين تسير على مبدأ اللا خلاف، رغم الانتقادات المتبادلة التي يتناقلها البعض سراً، والنفور الذي يعبّر عنه احياناً هذا الفريق أو ذاك همساً، الا أن التفاهم صامد “يهتز ولا يقع”، غير أن ذلك لا يلغي الاختلاف في وجهات النظر حول العناوين العريضة المطروحة في الحياة السياسية الامر الذي ظهر مؤخراً بشكل واضح في العديد من الملفات والقضايا.
وبحسب المصادر، فإن قرارا متفقا عليه بين الفريقين يقضي بعدم السماح بتعاظم الاختلافات مهما بدا شكلها أو حجمها لتصل الى مرحلة الطلاق السياسي، وهذا القرار مرتبط بصورة مباشرة بمصلحة الطرفين ،على اعتبار أن التحالف بينهما يؤمن لهما مصالح مشتركة لا يمكن تعويضها في أي صيغة اخرى.
ويبقى السؤال الأبرز في العلاقة بين “التيار” و”حزب الله” حول الأمور التي أدّت الى تراكم الامتعاض بيت الطرفين.
تعتبر المصادر أن “التيار الوطني الحر” كان يأمل بأن يصطفّ “حزب الله” الى جانبه بشكل كامل في المعركة السياسية الداخلية، خصوصاً بعد الانتخابات النيابية الاخيرة التي أفرزت توازنات جديدة بين مختلف الاطراف. لكنّ “حزب الله” ليس في وارد أن يبصم “بالعشرة” على كل مواقف “التيار” لاعتباراته الخاصة ومن بينها أنه راغب بتهدئة الأجواء مع مختلف القوى السياسية، الامر الذي رآه “التيار” إضراراً بمصالحه السياسية حيث ساهم بمزيد من إضعاف “العهد”.
من جهة أخرى، فإن “الوطني الحر” أبدى امتعاضاً شديداً من التقارب الذي حصل بين “حزب الله” و”الحزب التقدمي الاشتراكي” على اعتبار أن “الاشتراكي” هو أحد أشرس خصوم “العهد” وخصوم “التيار” الاساسيين، فكيف يمكن لـ “حزب الله” أن يفتح باب التقارب الواسع معه! لكن من الواضح أن “الحزب” يقوم بعملية إعادة ترتيب الساحة اللبنانية بما يناسبه، خصوصاً مع اقتراب احتمال حصول مواجهة مع العدو الاسرائيلي، وهذا لا يعني أن يصبح التقارب تحالفاً، او أن يكون على حساب “التيار”.
وتلفت المصادر الى أن ما قاله أمين عام “حزب الله” السيد حسن نصر الله في خطابه أمس عن أن ليس هنالك وصفة حاسمة لعملية بناء الدولة والإصلاح قصد فيه “التيار الوطني الحر” الذي يحاول إحراجه لتنفيذ بعض الرؤى المرتبطة بالنظام اللبناني وفق ما يراه “التيار”. وهذا الأمر لا يلقَ حماسة من “الحزب” لا بل يبدي انزعاجاً كبيراً منه لأنه يساهم في خلق دعاية سلبية ضدّه.
في المحصلة، يبدو أن الاختلاف بين الطرفين سيُستكمل حول بعض العناوين مع التوافق على الدعم السياسي الكامل في الملفات الاستراتيجية والقضايا الكبرى، من دون أي تجاوزات من كلا الطرفين. من هنا قد يعمد “حزب الله” الى عدم الذهاب نحو تسمية أي مرشح قد يستفزّ “التيار” لرئاسة الجمهورية، من دون أن يلتزم أي شخصية يطرحها الاخير لهذا المنصب، وهذا بحدّ ذاته يعتبر التزاماً سياسياً ضمن حدود معينة من قِبل “الحزب” في مقابل التزام “التيار” بالقضايا الاستراتيجية المرتبطة بسلاح المقاومة وبالمشروع الاقليمي.