في السنة الأخيرة من ولايته، وتحديداً في كانون الثاني الماضي سعى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون جاهداً إلى عقد طاولة حوار تجمع رؤساء الكتل والأحزاب السياسية، إلا أن دعوته التي تضمنت جدول أعمال من ثلاث نقاط هي: تطبيق اللامركزية الإدارية والمالية الموسعة، الاستراتيجية الدفاعية، وخطة التعافي الاقتصادي، لاقت الفشل، مع اعتذار رئيس تيار المستقبل الرئيس سعد الحريري عن المشاركة لتكر سبحة المعتذرين، علما أن الرئيس عون اعتبر يومذاك أن الهدف من الحوار هو البحث في الحلول للأزمة الاقتصادية والمالية والمعيشية ووقف الانهيار. وعلى ضوء مجاهرة الكتل والاحزاب المناوئة لفريق 8 آذار ، فضلا عن تيار المستقبل بالمقاطعة، استعاض الرئيس عون بلقاءات ثنائية مع رؤساء بعض الكتل النيابية، للبحث في الأزمات الراهنة وحلولها.
في ذلك الحين، ردت القوى السياسية معارضتها لطاولة الحوار إلى اقتناعها أن لا ضرورة لحوار كهذا. فالأمور اختلفت بعد العام 2019، وما اعقبه من تطورات ومآسي. فلبنان بغنى عن حوارات أشبه بحوارات 2006 و2012 و2014 و 2017 التي لم تكن ذات جدوى بفعل الانقسامات الطائفية التي بددت كل “الوثائق والاعلانات” التي كانت تصدر كخلاصة للحوار. والأكثر من ذلك، فإن مصير المبادرة الفرنسية التي طرحها الرئيس ايمانويل ماكرون بعد انفجار 4 اب 2020 أمام كل القوى السياسية حول طاولة في قصر الصنوبر، لم تدخل حيز التنفيذ، فبنودها عطلها المتضررون من الإصلاحات المطلوبة، إلى حد أن المبادرة أفرغت من مضمونها.
لا شك أن أول من أطلق مبادرات الحوار كان رئيس المجلس النيابي نبيه بري بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، حيث شهد البلد انقساما حادا بين محورين. واليوم، ومع انتهاء ولاية رئيس الجمهورية يتجه رئيس المجلس إلى دعوة رؤساء الكتل السياسية والنيابية إلى الحوار في عين التينة للبحث في الاستحقاق الرئاسي بدل الدوران في حلقة مفرغة، خاصة وأن الجميع يسلم بأن ما يجري في المجلس النيابي لا يتعدى تقديم الواجب الذي يمليه الدستور على النواب لجهة حضور جلسات انتخاب الرئيس إلى حين الانتخاب، واقتناعا من هؤلاء بأن الناخب لم يكن يوما لبنانيا، إنما خارجيا وإن تبدلت هويته. وبالتالي فإن الرئيس الذي سيصل الى بعبدا سيكون نتاج حسابات يتقاطع فيها الاعتباران الدولي والإقليمي مع المعطى المحلي.
وفق مصادر مقربة من عين التينة، فإن بري لم يدع في الاشهر الماضية إلى حوار لأنه ترك الملعب للرئيس عون. اما اليوم فالظروف اختلفت. البلد مأزوم. الفراغ الرئاسي حاصل لا محالة. ولا تخفي المصادر ارتياحها لخطوة الأستاذ، لكونه يشكل مساحة جمع بين المكونات السياسية. فمع القوات اللبنانية يتواصل “وقت الجد”. أما مع التيار الوطني فثمة ليونة في التعاطي مهما ارتفعت حدة الخلافات السياسية، هذا فضلا عن أنه يمسك بالمجلس النيابي الجديد مع تسليم الجميع من معارضة وتغييريين ايضاً بدوره وحضوره وحيويته، وبالتالي فإنه يحتفي بانتهاء مرحلة وبداية مرحلة جديدة.
دعوة بري للحوار تنطلق من مقاربته للملف الرئاسي وضرورة الذهاب إلى تفاهم بالحد الأدنى بين معظم الكتل على رئيس توافقي. ومواصفات هذا الرئيس بالنسبة إلى رئيس المجلس تتلخص برئيس يجمع ولا يفرق،يمتلك حيثية إسلامية ومسيحية، لديه انفتاح على العالم العربي ويحافظ على اتفاق الطائف.
تحت مظلة هذه العناوين ستكون دعوة بري ابتداء من الاسبوع المقبل، والأكيد أن خطوة بري سوف تحظى بدعم وتأييد عربي ودولي واقليمي، خاصة وأنه يريد قطع الطريق على الفراغ الرئاسي المفتوح متقاطعا مع الأجواء الخليجية والأوروبية والأممية في هذا السياق.
وليس بعيدا، فإن السعودية ستكون ممنونة لحوار كهذا لا سيما وأن الرئيس بري من أكثر المتمسكين بالطائف الذي، ولمناسبة الذكرى الـ33 لابرامه يقيم السفير السعودي وليد بخاري لقاء في الخامس من الشهر المقبل في قصر الاونيسكو.وتأتي الدعوة السعودية في سياق عودة الاهتمام السعودي بلبنان والذي سوف يتظهر أكثر في الاشهر المقبلة في الانتخابات الرئاسية، خصوصا وأن الاتصالات السعودية –الفرنسية في هذا الشأن على قدم وساق ولقاء وزير الدولة للشؤون الخارجية عادل الجبير مع المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان يوانا فرونتسكا في الرياض صب في خانة اهتمام المملكة بالملف الرئاسي اللبناني والجهود التي ستبذل خارجيا في هذا الشأن. مع الإشارة إلى أن الرياض تتقاطع مع الرئيس بري بأهمية وصول رئيس يجمع لا يشكل تحديا لأحد، ويستعيد ثقة المجتمع العربي والدولي بلبنان.
في المبدأ إذا التأمت طاولة الحوار، فإن الاتفاق سيحصل بين الافرقاء سيكون على package تتصل بالرئاسة والحكومة وما بينهما من تعيينات وتشكيلات والاهم ايجاد الحلول للازمة الاقتصادية.