كنا آلينا على أنفسنا في موقعنا الإخباري، وفي هذه الزاوية بالذات، ألاّ نتطرق إلى لا من بعيد ولا من قريب حتى بالإشارة، إلى السياسة التي يتبّعها العهد، وذلك إحترامًا لما تبقّى منه من أيام قليلة اولًا، وإفساحًا في المجال أمام مساعي الربع الساعة الأخير، والهادفة إلى تشكيل حكومة بمواصفات كاملة ومتكاملة، ولكن ليس بالطرق الملتوية التي يريدها رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل، والتي تطيح بالدستور والأعراف والمواثيق، والتي تهدف إلى التأسيس لمرحلة سياسية آتية بعد أفول نجم “العهد العوني”، وذلك لضمان حجز مقعد له في الصفوف الأمامية، حتى ولو كان ذلك على حساب وحدة المؤسسات وإمكانات قيامها بأدوارها الطبيعية.
إلاّ أن توافق كل من الرئيس ميشال عون والنائب باسيل على “دوزنة” إطلالتهما التصعيدية ضد الرئيس نجيب ميقاتي، جعل الأمور تنقلب رأسًا على عقب، وأعاد عقارب الساعة إلى الوراء، وأطاح بكل المساعي المبذولة لقطع الطريق أمام أي محاولة لخرق الدستور، من خلال الحديث عن “فوضى دستورية”، مع العلم أن حكومة تصريف الأعمال يمكنها الإستمرار في القيام بما هو مطلوب منها دستوريًا ووفقًا لمنطوق المادة 62 من الدستور، فضلًا عن أن لا شيء يحول دون عقد إجتماعات دورية لها لإتخاذ ما تراه مناسبًا من قرارات حكومية ومراسيم تعود بالفائدة القصوى على البلاد والعباد، إذ أن المصلحة الوطنية العليا تقتضي ذلك. فـ”لقاء الثلثاء” بين الرئيسين عون وميقاتي، وقد يكون الأخير في حال بقي رئيس الجمهورية، ومعه النائب باسيل، مصرّين على موقفهما التعطيلي لأي حلّ ممكن للخروج من الأزمة الحكومية، لم يخرج بنتائج ايجابية على صعيد الملف الحكومي، وبدا واضحًا من المواقف التي اعلنها عون ومن ثم النائب باسيل ان العراقيل التي وضعت امام ميقاتي لا تزال على حالها.
وإذا لم ينجح “حزب الله”، ومعه اللواء عباس إبراهيم، في مساعيهما “الإنقاذية” المستمرّة حتى آخر ساعة من العهد، فإنه يمكن القول إن زيارة ميقاتي لعون قد تكون زيارة “الوداع الأخير”، قبل أن تقفل ستارة العهد . فما صدر من كلام تصعيدي، الأول من بعبدا والثاني من “ميرنا الشالوحي”، رسّخ المعطيات التي ترجّح الإخفاق النهائي لمحاولات تعويم الحكومة، علما أن الأيام الأخيرة شهدت جهودًا جدّية لكنها لم تبلغ حافة الاختراق. ومع الانطباعات السلبية التي يصعب في ظلها توقع اختراق في اللحظات والأيام الأخيرة من العهد، سيتصاعد بطبيعة الحال الغبار التصعيدي في المواقف من مرحلة بدء الفراغ الرئاسي، علمًا ان حكومة تصريف الاعمال تشكل حكمًا السلطة التي ستتولى ملء الفراغ أيًّا تكن طبيعة التصعيد الذي سيمارسه “التيار العوني” بعد مغادرة الرئيس عون قصر بعبدا إن لم يستجدّ ما يؤخرّ هذه المغادرة.
وعلى رغم أن الملف الحكومي كاد يقترب من اختراق جدي في اللحظات الأخيرة، حيث كان تركيز البحث شمل تبديل ستة وزراء مناصفة بين المسيحيين والمسلمين، إلاّ أن سقف الاشتراطات العائدة لعون وباسيل ظل مرتفعًا حيال مطالب أخرى تواكب تعويم الحكومة لم يقبل بها ميقاتي، ومن بينها رفضه توقيع مرسوم قبول طلبات تجنيس اكثر من أربعة الآف شخص معظمهم من السوريين.
وقد يكون كلام باسيل الجديد – القديم عن رفضه إعطاء الثقة للحكومة المعوّمة، وهذا ما لم يضمنه الرئيس عون للرئيس ميقاتي عندما سأله إذا ما كان نواب تكتل “لبنان القوي” سيمنحون الحكومة، التي يمكن الإتفاق عليها الثقة، ا أثار حفيظة رئيس الحكومة، الذي طالب باسيل بالقيام بواجبه الوطني وعدم عرقلة إنتخاب رئيس جديد للجمهورية.
وما أفصح عنه الرئيس عون في دردشته مع الصحافيين المعتمدين في القصر الجمهوري من كلام، ظنّ البعض أنه كلام باسيل ولكنه منسوب لرئيس الجمهورية، طوى فيه صفحة جديدة من روزنامة أيامه الرئاسية الأخيرة، إختصرت موقفه الحقيقي من مطالبته بما يُسمّى بـ “حصة الرئيس” التي لطالما توارى خلفها الوجه الحقيقي لعقدة التأليف على امتداد التشكيلات الحكومية، فبدا في عزّ مهرجان توزيع الأوسمة الرئاسية كمن يمنح صهره أرفع وسام جمهوري، وهو وسام حصر تشكيل الحكومة بيده دون سواه، وذلك عندما طالب علنًا بوجوب منحه ما يريده كشرط موجب لإصدار مراسيم التأليف، تحت طائلة تجديد التهويل على حكومة تصريف الأعمال بإعتبارها تفتقر إلى الصلاحيات التي تخولها “ممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية”.
وحيال هذا “القصف العشوائي” الذي تعرّض له السراي الحكومي من “مرابض”بعبدا و”ميرنا الشالوحي” تصرّف الرئيس ميقاتي من موقعه الدستوري ومن موقعه المسؤول عن ملء أي فراغ قد ينتج عن فشل نواب الأمّة في إنتخاب رئيس للجمهورية، وعن فشل مساعي الساعات الأخيرة في تشكيل حكومة بمواصفات وطنية صرفة ببرودة اعصاب كرجل دولة يعرف جسامة المسؤولية التي ستُلقى على أكتافه عندما تدخل البلاد في الفراغ الشامل والتام.
وعلى رغم هذا الغبار الذي أثارته قنابل بعبدا و”ميرنا الشالوحي” الدخانية لا يزال البعض يعتقد أن فرصة التأليف الأخيرة لا تزال سانحة وستبقى متاحة “حتى آخر ساعة” من الولاية الرئاسية، مع إستمرار مساعي “حزب الله” واللواء إبراهيم، التي لم تتوقف.